الباب الأوّل : بدء الخلق وخلق السماوات ۱
۵۲۹۶.الإمام عليّ عليه السلامـ مِن خُطبَةٍ لَهُ يَصِفُ فيها خَلقَ العالَمِ ـ: ثُمَّ أنشَأَ ـ سُبحانَهُ ـ فَتقَ الأَجواءِ وشَقَّ الأَرجاءِ وسَكائِكَ ۲ الهَواءِ . فَأَجرى فيها ماءً مُتَلاطِماً تَيّارُهُ ، مُتَراكِماً زَخّارُهُ ۳ . حَمَلَهُ عَلى مَتنِ الرّيحِ العاصِفَةِ ، وَالزَّعزَعِ ۴ القاصِفَةِ ، فَأَمَرَها بِرَدِّهِ ، وسَلَّطَها عَلى شَدِّهِ ، وقَرَنَها إلى حَدِّهِ . الهَواءُ مِن تَحتِها فَتيقٌ ، وَالماءُ مِن فَوقِها دَفيقٌ ۵ . ثُمَّ أنشَأَ سُبحانَهُ ريحا اِعتَقَمَ مَهَبَّها وأدامَ مُرَبَّها ۶ . وأعصَفَ مَجراها وأبعَدَ مَنشَأَها . فَأَمَرَها بِتَصفيقِ الماءِ الزُّخّارِ ، وإثارَةِ مَوجِ البِحارِ . فَمَخَضَتهُ ۷ مَخضَ السِّقاءِ ، وعَصَفَت بِهِ عَصفَها بِالفَضاءِ . تَرُدُّ أوَلَّهُ إلى آخِرِهِ ، وساجِيَهُ ۸ إلى مائِرِهِ ۹ . حَتّى عَبَّ عُبابُهُ ، ورَمى بِالزَّبَدِ رُكامُهُ ، فَرَفَعَهُ في هَواءٍ مُنفَتِقٍ ، وجَوٍّ مُنفَهِقٍ ۱۰ . فَسَوّى مِنهُ سَبعَ سَماواتٍ جَعَلَ سُفلاهُنَّ مَوجا مَكفوفا وعُلياهُنَّ سَقفا مَحفوظا . وسَمَكا مَرفوعا ، بِغَيرِ عَمَدٍ يَدعَمُها ، ولا دِسارٍ ۱۱ يَنظِمُها . ثُمَّ زَيَّنَها بِزينَةٍ الكَواكِبِ ، وضِياءِ الثَّواقِبِ ، وأجرى فيها سِراجا مُستَطيرا ، وقَمَرا مُنيرا : في فَلَكٍ دائِرٍ ، وسَقفٍ سائِرٍ ، ورَقيمٍ مائِرٍ ۱۲ . ۱۳
1.تكلّم الإمام عليّ عليه السلام عن خلق الكون في عدّة مواضع من نهج البلاغة . وملخّص نظريّته حول خلق الكون : إنّ أوّل الخلق كان للفضاء الذي فتقه اللّه من العدم ، وشقّ فيه النواحي والأرجاء وطرق الهواء . ثمّ خلق سبحانه في هذا الفضاء سائلاً كثيفا متلاطما ، حمله على متن ريح قويّة عاصفة ، تلُمّه إلى بعضه ، وتحجزه عن الانتشار والاندثار . ثمّ خلق سبحانه ريحا عقيمة من نوعٍ آخر ، سلّطها على ذلك السائل من جهةٍ واحدة ، فبدأت بتصفيقه وإثارته ، حتى مخضته مخضَ السقاء ، وبعثرته في أنحاء الفضاء كالدخان . ومن الغاز الناتج (وهو الهدروجين على ما يظنّ) خلق اللّه السماوات والنجوم والكواكب ، ولا زالت الفراغات بين عناصر المجرّات مليئة بهذا الغاز .
وقد تمّ تشكّل النجوم من هذا الغاز بتجمّع دقائقه في مراكز معيّنة مشكّلة أجراما ، وذلك عن طريق دورانها حول هذه المراكز . وبتبرّد هذا الغاز وتحوّله إلى عناصر أكثر تعقيدا تحوّلت الغازات إلى سوائل كما في الشمس ، ثمّ تحوّلت السوائل إلى جسمٍ صلب كما في الأرض والكواكب السيّارة . . . (راجع تصنيف نهج البلاغة : ص۷۷۷ ـ ۷۸۸) .
2.السُّكاك : الجوُّ ، وهو ما بين السماء والأرض (النهاية : ج ۲ ص ۳۸۵ «سكك») .
3.زخر : أي مدّ وكثُر ماؤه وارتفعت أمواجه (النهاية : ج ۲ ص ۲۹۹ «زخر») .
4.ريحٌ زَعْزَعٌ : شديدة (لسان العرب : ج ۸ ص ۱۴۲ «زعع») .
5.الدُّفاق : المطهر الواسع الكثير (النهاية : ج ۲ ص ۱۲۵ «دفق») .
6.أرب الدهر : اشتدّ (لسان العرب : ج ۱ ص ۲۰۸ «أرب») .
7.المَخْضُ : تحريك السِّقاء الذي فيه اللبن ؛ ليخرُج زُبْدُه (النهاية : ج ۴ ص ۳۰۷ «مخض») .
8.الساجي : أي الساكن (النهاية : ج ۲ ص ۳۴۵ «سجا») .
9.مار الشيء يمور مورا : إذا جاء وذهب (النهاية : ج ۴ ص ۳۷۱ «مور») .
10.الفَهق : هو الامتِلاء والاتّساع (النهاية : ج ۳ ص ۴۸۲ «فهق») .
11.الدِسار : المِسْمار ، وجمعه دُسُر (النهاية : ج ۲ ص ۱۱۶ «دسر») .
12.يريد به وشي السماء بالنجوم (النهاية : ج ۲ ص ۲۵۴ «رقم») .
13.نهج البلاغة : الخطبة ۱ ، بحار الأنوار : ج ۵۷ ص ۱۷۷ ح ۱۳۶ و ج ۷۷ ص ۳۰۱ ح ۷ .