آفرينش حيوانات - صفحه 9

5 / 4

الخُفّاش

۵۳۳۱.الإمام عليّ عليه السلام :ومِن لَطائِفِ صَنعَتِهِ وعَجائِبِ خِلقَتِهِ ما أرانا مِن غَوامِضِ الحِكمَةِ في هذِهِ الخَفافيشِ الَّتي يَقبِضُهَا الضِّياءُ الباسِطُ لِكُلِّ شَيءٍ ، ويَبسُطُهَا الظَّلامُ القابِضُ لِكُلِّ حَيٍّ ، وكَيفَ عَشِيَت أعيُنُها عَن أن تَستَمِدَّ مِنَ الشَّمسِ المُضيئَةِ نوراً تَهتَدي بِهِ في مَذاهِبِها ، وتَتَّصِلُ بِعَلانِيَةِ بُرهانِ الشَّمسِ إلى مَعارِفِها . ورَدَعَها بِتَلَألُوَ ضِيائِها عَنِ المُضِيِّ في سُبُحاتِ إشراقِها . وأكَنَّها في مَكامِنِها عَنِ الذَّهابِ في بُلَجِ ائتِلاقِها ، فَهِيَ مُسدَلَةُ الجُفونِ بِالنَّهارِ عَلى حِداقِها . وجاعِلَةُ اللَّيلِ سِراجاً تَستَدِلُّ بِهِ فِي التِماسِ أرزاقِها . فلا يَرُدُّ أبصارَها إسدافُ ظُلمَتِهِ ، ولا تَمتَنِعُ مِنَ المُضِيِّ فيهِ لِغَسَقِ دُجُنَّتِهِ . فَإِذا ألقَتِ الشَّمسُ قِناعَها ، وبَدَت أوضاحُ نَهارِها ، ودَخَلَ مِن إشراقِ نورِها عَلَى الضِّبابِ في وِجارِها ۱ ، أطبَقَتِ الأَجفانَ عَلى مَآقيها ، وتَبَلَّغَت بِمَا اكتَسَبَتهُ مِنَ المَعاشِ في ظُلَمِ لَياليها .
فَسُبحانَ مَن جَعَلَ اللَّيلَ لَها نَهاراً ومَعاشاً ، وَالنَّهارَ سَكَناً وقَراراً ! وجَعَلَ لَها أجنِحَةً مِن لَحمِها تَعرُجُ بِها عِندَ الحاجَةِ إلَى الطَّيَرانِ ، كَأَنَّها شَظايَا الآذانِ ، غَيرَ ذواتِ ريشٍ ولا قَصَبٍ . إلّا أنَّكَ تَرى مَواضِعَ العُروقِ بَيِّنَةً أعلاماً . لَها جَناحانِ لَمّا يَرِقّا فَيَنشَقّا ، ولَم يَغلُظا فَيَثقُلا . تَطيرُ ووَلَدُها لاصِقٌ بِها لاجِئٌ إلَيها يَقَعُ إذا وَقَعَت ويَرتَفِعُ إذَا ارتَفَعَت . لا يُفارِقُها حَتّى تَشتَدَّ أركانُهُ ، ويَحمِلُهُ لِلنُّهوضِ جَناحُهُ ، ويَعرِفُ مَذاهِبَ عَيشِهِ ومَصالِحَ نَفسِهِ . فَسُبحانَ البارِىَ لِكُلِّ شَيءٍ عَلى غَيرِ مِثالٍ خَلا مِن غَيرِهِ ! ۲

1.وجارها : جُحْرُها الذي تَأوي إليه (النهاية : ج ۵ ص ۱۵۶ «وجر») .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۱۵۵ ، بحار الأنوار : ج ۶۴ ص ۳۲۳ ح ۲ .

صفحه از 14