جامعه شناسى - صفحه 5

۵۳۳۸.نهج البلاغة :مِن كَلامٍ لَهُ عليه السلام لِكُمَيلِ بنِ زِيادٍ النَّخَعِيِّ ، قالَ كُمَيلُ بنُ زِيادٍ : أخَذَ بِيَدي أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام فَأَخرَجَني إلَى الجَبّانِ ۱ ، فَلَمّا أصحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَداءِ ثُمَّ قالَ :
يا كُمَيلَ بنَ زِيادٍ ، إنَّ هذِهِ القُلوبَ أوعِيَةٌ فَخَيرُها أوعاها ، فَاحفَظ عَنّي ما أقولُ لَكَ :
النّاسُ ثَلاثَةٌ : فَعالِمٌ رَبّانِيٌّ ، ومُتَعَلِّمٌ عَلى سَبيلِ نَجاةٍ ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ كُلِّ ناعِقٍ ، يَميلونَ مَعَ كُلِّ ريحٍ ، لَم يَستَضيئوا بِنورِ العِلمِ ، ولَم يَلجَؤوا إلى رُكنٍ وَثيقٍ .
يا كُمَيلُ ، العِلمُ خَيرٌ مِنَ المالِ ، العِلمُ يَحرُسُكَ وأنتَ تَحرُسُ المالَ ، وَالمالُ تَنقُصُهُ النَّفَقَةُ ، وَالعِلمُ يَزكو عَلَى الإِنفاقِ ، وصَنيعُ المالِ يَزولُ بِزَوالِهِ .
يا كُمَيلَ بنَ زِيادٍ ، مَعرِفَةُ العِلمِ دينٌ يُدانُ بِهِ ، بِهِ يَكسِبُ الإِنسانُ الطّاعَةَ في حَياتِهِ ، وجَميلَ الاُحدوثَةِ بَعدَ وَفاتِهِ . وَالعِلمُ حاكِمٌ وَالمالُ مَحكومٌ عَلَيهِ .
يا كُمَيلُ ، هَلَكَ خُزّانُ الأَموالِ وهُم أحياءٌ ، وَالعُلَماءُ باقونَ ما بَقِيَ الدَّهرُ : أعيانُهُم مَفقودَةٌ ، وأمثالُهُم فِي القُلوبِ مَوجودَةٌ . ها ، إنَّ ههُنا لَعِلماً جَمّاً ـ وأشارَ بِيَدِهِ إلى صَدرِهِ ـ لَو أصَبتُ لَهُ حَمَلَةً ! بَلى أصَبتُ لَقِناً ۲ غَيرَ مأمونٍ عَلَيهِ ، مُستَعمِلاً آلَةَ الدّينِ لِلدُّنيا ، ومُستَظهِراً بِنِعَمِ اللّهِ عَلى عِبادِهِ ، وبِحُجَجِهِ عَلى أولِيائِهِ ، أو مُنقاداً لِحَمَلَةِ الحَقِّ ، لا بَصيرَةَ لَهُ في أحنائِهِ ۳ ، يَنقَدِحُ الشَّكَّ في قَلبِهِ لِأَوَّلِ عارِضٍ مِن شُبهَةٍ . ألا لا ذا ولا ذاكَ ! أو مَنهوماً بِاللَّذَّةِ ، سَلِسَ القِيادِ لِلشَّهوَةِ ، أو مُغرَماً بِالجَمعِ وَالِادِّخارِ ، لَيسا مِن رُعاةِ الدّينِ في شَيءٍ ، أقرَبُ شَيءٍ شَبَهاً بِهِما الأَنعامُ السّائِمَةُ ! كَذلِكَ يَموتُ العِلمُ بِمَوتِ حامِليهِ .
اللّهُمَّ بَلى ! لا تَخلُو الأَرضُ مِن قائِمٍ للّهِِ بِحُجَّةٍ ، إمّا ظاهِراً مَشهوراً أو خائِفاً مَغموراً ؛ لِئَلّا تَبطُلَ حُجَجُ اللّهِ وبَيِّناتِهِ . وكَم ذا ؟ وأينَ اُولِئَكَ ؟ اُولئِكَ ـ وَاللّهِ ـ الأَقَلّونَ عَدَداً ، وَالأَعظَمونَ عِندَ اللّهِ قَدراً . يَحفَظُ اللّهُ بِهِم حُجَجَهُ وبَيِّناتِهِ حَتّى يودِعوها نُظَراءَهُم ، ويَزرَعوها في قُلوبِ أشباهِهِم . هَجَمَ بِهِمُ العِلمُ عَلى حَقيقَةِ البَصيرَةِ ، وباشَروا روحَ اليَقينِ ، وَاستَلانوا مَا استَعوَرَهُ المُترَفونَ ، وأنِسوا بِمَا استَوحَشَ مِنهُ الجاهِلونَ ، وصَحِبُوا الدُّنيا بِأَبدانٍ أرواحُها مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الأَعلى . اُولئِك خُلَفاءُ اللّهِ في أرضِهِ وَالدُّعاةُ إلى دينِهِ . آهِ آهِ شَوقاً إلى رُؤيَتِهِم ! اِنصَرِف يا كُمَيلُ إذا شِئتَ . ۴

1.الجَبّان والجبّانة : الصحراء ، وتسمّى بهما المقابر ؛ لأنّها تكون في الصحراء تسميةً للشيء بموضعه (لسان العرب : ج ۱۳ ص ۸۵ «جبن») .

2.أي فَهِمٌ حَسَنُ التَّلَقُّن لِمَا يَسْمَعُه (النهاية : ج ۴ ص ۲۶۶ «لقن») .

3.الحِنْوُ : واحد الأحناء ، وهي الجَوانِب (لسان العرب : ج ۱۴ ص ۲۰۶ «حنا») .

4.نهج البلاغة : الحكمة ۱۴۷ ، الإرشاد : ج ۱ ص ۲۲۷ ، الأمالي للمفيد : ص ۲۴۷ ح ۳ ، كمال الدين : ص ۲۹۰ ح ۲ ، الخصال : ص ۱۸۶ ح ۲۵۷ ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص ۱۰۵ ، تحف العقول : ص ۱۶۹ ، الأمالي للطوسي : ص ۲۰ ح ۲۳ ، الغارات : ج ۱ ص ۱۴۹ ؛ حلية الأولياء : ج ۱ ص ۷۹ ، تاريخ بغداد : ج ۶ ص ۳۷۹ الرقم ۳۴۱۳ وفيه إلى «آلة الدِّين للدنيا» ، المعيار والموازنة : ص ۷۹ ، كنز العمّال : ج ۱۰ ص ۲۶۲ ح ۲۹۳۹۱ .

صفحه از 14