پند و موعظه - صفحه 3

4 / 2

الطَّريقُ الواضِحُ

۵۵۶۵.الإمام عليّ عليه السلامـ مِن كَلامٍ لَهُ عليه السلام يَعِظُ بِسُلوكِ الطَّريقِ الواضِحِ ـ: أيُّهَا النّاسُ ! لا تَستَوحِشوا في طَريقِ الهُدى لِقِلَّةِ أهلِهِ ؛ فَإِنَّ النّاسَ قَدِ اجتَمَعوا عَلى مائِدَةٍ شِبَعُها قَصيرٌ ، وجوعُها طَويلٌ .
أيُّهَا النّاسُ ! إنَّما يَجمَعُ النّاسَ الرِّضا وَالسُّخطُ ، وإنَّما عَقَرَ ناقَةَ ثَمودَ رَجُلٌ واحِدٌ ، فَعَمَّهُمُ اللّهُ بِالعَذابِ لَمّا عَمّوهُ بِالرِّضا ، فَقالَ سُبحانَهُ : «فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَـدِمِينَ»۱ فَما كانَ إلّا أن خارَت ۲ أرضُهُم بِالخَسفَةِ خُوارِ السِّكَّةِ ۳ المُحماةِ فِي الأَرضِ الخَوّارَةِ ۴ .
أيُّهَـا النّاسُ مَن سَلَـكَ الطَّريقَ الواضِـحَ وَرَدَ الماءَ ، ومَن خالَفَ وَقَعَ فِي التّيهِ ! ۵

4 / 3

صِفاتُ المُتَّقينَ

۵۵۶۶.نهج البلاغة :مِن خُطبَةٍ لَهُ عليه السلام يَصِفُ فيهَا المُتَّقينَ . رُوِيَ أنَّ صاحِبا لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام يُقالُ لَهُ : هَمّامٌ كانَ رَجُلاً عابِدا ، فَقالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، صِف لِيَ المُتَّقينَ حَتّى كَأَ نّي أنظُرُ إلَيهِم . فَتَثاقَلَ عليه السلام عَن جَوابِهِ ثُمَّ قالَ : يا هَمّامُ! اتَّقِ اللّهَ وأحسِن فَ «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّ الَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ»۶ فَلَم يَقنَع هَمّامٌ بِهذَا القَولِ حَتّى عَزَمَ عَلَيهِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وصَلّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قالَ عليه السلام :
أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ وتَعالى خَلَقَ الخَلقَ حينَ خَلَقَهُم غَنِيّاً عَن طاعَتِهِم ، آمِناً مِن مَعصِيَتِهِم ؛ لِأَ نَّهُ لا تَضُرُّهُ مَعصِيَةُ مَن عَصاهُ ، ولا تَنفَعُهُ طاعَةُ مَن أطاعَهُ . فَقَسَمَ بَينَهُم مَعايِشَهُم ، ووَضَعَهُم مِنَ الدُّنيا مَواضِعَهُم . فَالمُتَّقونَ فيها هُم أهلُ الفَضائِلِ ؛ مَنطِقُهُمُ الصَّوابُ ، ومَلبَسُهُمُ الِاقتِصادُ ، ومَشيُهُمُ التَّواضُعُ . غَضّوا أبصارَهُم عَمّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِم ، ووَقَفوا أسماعَهُم عَلَى العِلمِ النّافِعِ لَهُم . نُزِّلَت أنفُسُهُم مِنهُم فِي البَلاءِ كَالَّتي نُزِّلَت فِي الرَّخاءِ . ولَولَا الأَجَلُ الَّذي كَتَبَ اللّهُ عَلَيهِم لَم تَستَقِرَّ أرواحُهُم في أجسادِهِم طَرفَة عَينٍ ؛ شَوقا إلَى الثَّوابِ ، وخَوفا مِنَ العِقابِ .
عَظُمَ الخالِقُ في أنفُسِهِم ؛ فَصَغُرَ ما دونَهُ في أعيُنِهِم ، فَهُم وَالجَنَّةُ كَمَن قَد رَآها ؛ فَهُم فيها مُنَعَّمونَ ، وهُم وَالنّارُ كَمَن قَد رَآها فَهُم فيها مُعَذَّبونَ . قُلوبُهُم مَحزونَةٌ ، وشُرورُهُم مَأمونَةٌ ، وأجسادُهُم نَحيفَةٌ ، وحاجاتُهُم خَفيفَةٌ ، وأنفُسُهُم عَفيفَةٌ . صَبَروا أيّاما قَصيرَةً ، أعقَبَتهُم راحَةً طَويلَةً . تِجارَةٌ مُربِحَةٌ يَسَّرَها لَهُم رَبُّهُم . أرادَتهُمُ الدُّنيا فَلَم يُريدوها ، وأسَرَتهُم فَفَدَوا أنفُسَهُم مِنها .
أمَّا اللَّيلَ فَصافّونَ أقدامَهُم ، تالينِ لِأَجزاءِ القُرآنِ يُرَتِّلونَها تَرتيلاً . يُحَزِّنونَ بِهِ أنفُسَهُم ، ويَستَثيرونَ بِهِ دَواءَ دائِهِم ، فَإِذا مَرّوا بِآيَةٍ فيها تَشويقٌ رَكَنوا إلَيها طَمَعا ، وتَطَلَّعَت نُفوسُهم إلَيها شَوقا ، وظَنّوا أ نَّها نُصبَ أعيُنِهِم ، وإذا مَرّوا بِآيَةٍ فيها تَخويفٌ أصغَوا إلَيها مَسامِعَ قُلوبِهِم ، وظَنّوا أنَّ زَفيرَ جَهَنَّمَ وشَهيقَها في اُصولِ آذانِهِم ؛ فَهُم حانونَ عَلى أوساطِهِم ، مُفتَرِشونَ لِجِباهِهِم وأكُفِّهِم ورُكَبِهِم وأطرافِ أقدامِهِم ، يَطلُبونَ إلَى اللّهِ تَعالى في فَكاكِ رِقابِهِم .
وأمَّا النَّهارَ فَحُلَماءُ عُلَماءُ ، أبرارٌ أتقِياءٌ . قَد بَراهُمُ الخَوفُ بَريَ القِداحِ ۷ ، يَنظُرُ إلَيهِمُ النّاظِرُ فَيَحسَبُهُم مَرضى وما بِالقَومِ مِن مَرَضٍ ، ويَقولُ : قَد خولِطوا ! ، ولَقَد خالَطَهُم أمرٌ عَظيمٌ ! لا يَرضَونَ مِن أعمالِهِمُ القَليلَ ، ولا يَستِكثِرونَ الكَثيرَ . فَهُم لِأَنفُسِهِم مُتَّهِمونَ ، ومِن أعمالِهِم مُشفِقونَ . إذا زُكِّيَ أحَدٌ مِنهُم خافَ مِمّا يُقالُ لَهُ فَيَقولُ : أنَا أعلَمُ بِنَفسي مِن غَيري ، ورَبّي أعلَمُ بي مِن نَفسي . اللّهُمَّ لا تُؤاخِذني بِما يَقولونَ ، وَاجعَلني أفضَلَ مِمّا يَظُنّونَ ، وَاغفِر لي ما لا يَعلَمونَ .
فَمِن عَلامَةِ أحَدِهِم أ نَّكَ تَرى لَهُ قُوَّةً في دينٍ ، وحَزما في لينٍ ، وإيمانا في يَقينٍ ، وحِرصا في عِلمٍ ، وعِلما في حِلمٍ ، وقَصداً في غِنىً ، وخُشوعا في عِبادَةٍ ، وتَجَمُّلاً في فاقَةٍ ، وصَبرا في شِدَّةٍ ، وطَلَبا في حَلالٍ ، ونَشاطا في هُدىً ، وتَحَرُّجا عَن طَمَعٍ . يَعمَلُ الأَعمالَ الصّالِحَةَ وهُوَ عَلى وَجَلٍ . يُمسي وهَمُّهُ الشُّكرُ ، ويُصبِحُ وهَمُّهُ الذِّكرُ . يَبيتُ حَذِرا ، ويُصبِحُ فَرِحا ؛ حَذِرا لِما حُذِّرَ مِنَ الغَفلَةِ ، وفَرِحا بِما أصابَ مِنَ الفَضلِ وَالرَّحمَةِ . إنِ استَصعَبَت عَلَيهِ نَفسُهُ فيما تَكرَهُ لَم يُعطِها سُؤلَها فيما تُحِبُّ . قُرَّةُ عَينِهِ فيما لا يَزولُ ، وزَهادَتُهُ فيما لا يَبقى . يَمزُجُ الحِلمَ بِالعِلمِ ، وَالقَولَ بِالعَمَلِ . تَراهُ قَريبا أمَلُهُ، قَليلاً زَلَلُهُ، خاشِعا قَلبُهُ، قانِعَةً نَفسُهُ، مَنزورا ۸ أكلُهُ ، سَهلاً أمرُهُ، حَريزا دينُهُ، مَيِّتَةٌ شَهوَتُهُ ، مَكظوما غَيظُهُ . الخَيرُ مِنهُ مَأمولٌ ، وَالشَّرُّ مِنهُ مَأمونٌ . إن كانَ فِي الغافِلينَ كُتِبَ فِي الذّاكِرينَ ، وإن كانَ فِي الذّاكِرينَ لَم يُكتَب مِنَ الغافِلينَ . يَعفو عَمَّن ظَلَمَهُ ، ويُعطي مَن حَرَمَهُ ، ويَصِلُ مَن قَطَعَهُ . بَعيدا فُحشُهُ ، لَيِّنا قَولُهُ ، غائِبا مُنكَرُهُ . حاضِرا مَعروفُهُ ، مُقبِلاً خَيرُهُ ، مُدبِرا شَرُّهُ . فِي الزَّلازِلِ وَقورٌ ، وفِي المَكارِهِ صَبورٌ ، وفِي الرَّخاءِ شَكورٌ . لا يَحيفُ عَلى مَن يُبغِضُ ، ولا يَأثَمُ فيمَن يُحِبُّ . يَعتَرِفُ بِالحَقِّ قَبلَ أن يُشهَدَ عَلَيهِ . لا يُضيعُ مَا استُحفِظَ ، ولا يَنسى ما ذُكِّرَ ، ولا يُنابِزُ بِالأَلقابِ ، ولا يُضارُّ بِالجارِ ، ولا يَشمَتُ بِالمَصائِبِ ، ولا يَدخُلُ فِي الباطِلِ ، ولا يَخرُجُ مِنَ الحَقِّ .
إن صَمَتَ لَم يَغُمَّهُ صَمتُهُ ، وإن ضَحِكَ لَم يَعلُ صَوتُهُ ، وإن بُغِيَ عَلَيهِ صَبَرَ حَتّى يَكونَ اللّهُ هُوَ الَّذي يَنتَقِمُ لَهُ . نَفسُهُ مِنهُ في عَناءٍ ، وَالنّاسُ مِنهُ في راحَةٍ . أتعَبَ نَفسَهُ لِاخِرَتِهِ ، وأراحَ النّاسَ مِن نَفسِهِ . بُعدُهُ عَمَّن تباعَدَ عَنهُ زُهدٌ ونَزاهَةٌ ، ودُنُوُّهُ مِمَّن دَنا مِنهُ لَينٌ ورَحمَةٌ . لَيسَ تَباعُدُهُ بِكِبرٍ وعَظَمَةٍ ، ولا دُنُوُّهُ بِمَكرٍ وخَديعَةٍ .
قالَ : فَصَعِقَ هَمّامٌ صَعقَةً كانَت نَفسُهُ فيها .
فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أما وَاللّهِ لَقَد كُنتُ أخافُها عَلَيهِ . ثُمَّ قالَ : أ هكَذا تَصنَعُ المَواعِظُ البالِغَةُ بِأَهلِها ؟ فَقالَ لَهُ قائِلٌ : فَما بالُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ !
فَقالَ عليه السلام :وَيحَكَ!إنَّ لِكُلِ أجَلٍ وَقتا لا يَعدوهُ،وسَبَبا لا يَتَجاوَزُهُ.فَمَهلاً لا تَعُد لِمِثلِها ۹ ؛ فَإِنَّما نَفَثَ ۱۰ الشَّيطانُ عَلى لِسانِكَ ! . ۱۱

1.الشعراء : ۱۵۷ .

2.خارَ : صاح ، والخُوار : ما اشتدّ من الصوت (لسان العرب : ج ۴ ص ۲۶۱ «خور») .

3.السِّكّة : هي التي تُحرث بها الأرض (النهاية : ج ۲ ص ۳۸۴ «سكك») .

4.أرضٌ خوّارةٌ : لينة سهلة (لسان العرب : ج ۴ ص ۲۶۲ «خور») .

5.نهج البلاغة : الخطبة ۲۰۱ ، الغارات : ج ۲ ص ۵۸۴ عن فرات بن أحنف وليس فيه من «فقال سبحانه» إلى «الخوّارة» ، المسترشد : ص ۴۰۷ ح ۱۳۸ وليس فيه من «فقال سبحانه ...» وكلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج ۷۰ ص ۱۰۷ ح ۵ .

6.النحل : ۱۲۸ .

7.القِداح : جمع قِدْح ؛ السهم قبل أن ينَصَّل ويُراشَ (لسان العرب : ج ۲ ص ۵۵۶ «قدح») .

8.أي قليلاً (النهاية : ج ۵ ص ۴۰ «نزر») .

9.قال ابن أبي الحديد : إنّما نهى أمير المؤمنين عليه السلام القائل : «فهلّا أنت يا أمير المؤمنين !» لأ نّه اعترض في غير موضع الاعتراض ، وذلك أ نّه لايلزم من موت العامّي عند وعظ العارف أن يموت العارف عن وعظ نفسه ؛ لأنّ انفعال العامّي ذي الاستعداد التامّ للموت عند سماع المواعظ البالغة أتمّ من استعداد العارف عند سماع نفسه أو الفكر في كلام نفسه ؛ لأنَّ نفس العارف قويّة جدّاً ، والآلة التي يُحفر بها الطين قد لا يُحفر بها الحجر (شرح نهج البلاغة : ج ۱۰ ص ۱۶۱) .

10.نَفَثَ الشيطان على لسانه : أي ألقى فتكلّم (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۸۰۸ «نفث») .

11.نهج البلاغة : الخطبة ۱۹۳ ، صفات الشيعة : ص ۹۶ ح ۳۵ ، الأمالي للصدوق : ص ۶۶۶ ح ۸۹۷ كلاهما عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه عنه عليهم السلام ، تحف العقول : ص ۱۵۹ ، التمحيص : ص ۷۰ ح ۱۷۰ ، كتاب سليم بن قيس : ج ۲ ص ۸۴۹ ح ۴۳ كلّها نحوه وراجع الخطبة ۸۷ و ۱۵۷ و۱۶۱ و۱۷۸ و۱۸۸ و۱۹۰ و۱۹۱ والكافي : ج ۲ ص ۲۲۶ ح ۱ وبحار الأنوار : ج ۷۷ ص ۳۶۷ ـ ۴۴۲ وتذكرة الخواصّ : ص ۱۳۸ .

صفحه از 3