365
نهج الدّعاء

فَعَمَدتُ يَوما إلى شَيءٍ مِنَ الوَرِقِ ۱ فَكانَت فِي الخِباءِ ، فَذَهَبتُ لاِخُذَها وأصرِفَها فيما كُنتُ عَلَيهِ ، فَمانَعَني عَن أخذِها ، فَأَوجَعتُهُ ضَربا ولَوَيتُ يَدَهُ ، وأخَذتُها ومَضَيتُ .
فَأَومَأَ بِيَدِهِ إلى رُكبَتَيهِ يَرومُ النُّهوضَ مِن مَكانِهِ ذلِكَ، فَلَم يُطِق يُحَرِّكُها مِن شِدَّةِ الوَجَعِ وَالأَ لَمِ فَأَنشَأَ يَقولُ :

جَرَت رَحِمٌ بَيني وبَينَ مُنازِلٍسَواءً كَما يَستَنزِلُ القَطرَ طالِبُه
ورَبَّيتُ حَتّى صارَ جَلدا شَمَردَلاً۲إذا قامَ ساوى غارِبَ۳الفَحلِ غارِبُه
وقَد كُنتُ اُوتيهِ مِنَ الزّادِ فِي الصِّباإذا جاعَ مِنهُ صَفوُهُ وأطايِبُه
فَلَمَّا استَوى في عُنفُوانِ شَبابِهِوأصبَحَ كَالرُّمحِ الرُّدَينِيِّ خاطِبُه
تَهَضَّمَني مالي كَذا ولَوى يَديلَوى يَدَهُ اللّهُ الَّذي هُوَ غالِبُه
ثُمَّ حَلَفَ بِاللّهِ لَيَقدَمَنَّ إلى بَيتِ اللّهِ الحَرامِ ، فَيَستَعدِي اللّهَ عَلَيَّ .
قالَ : فَصامَ أسابيعَ ، وصَلّى رَكَعاتٍ ، ودَعا ، وخَرَجَ مُتَوَجِّها عَلى عَيرانَةٍ ۴ ، يَقطَعُ بِالسَّيرِ عَرضَ الفَلاةِ ، ويَطوِي الأَودِيَةَ ويَعلُو الجِبالَ ، حَتّى قَدِمَ مَكَّةَ يَومَ الحَجِّ الأَكبَرِ ، فَنَزَلَ عَن راحِلَتِهِ ، وأقبَلَ إلى بَيتِ اللّهِ الحَرامِ ، فَسَعى وطافَ بِهِ ، وتَعَلَّقَ بِأَستارِهِ وَابتَهَلَ ، وأنشَأَ يَقولُ :
يا مَن إلَيهِ أتَى الحُجّاجُ بِالجَهدِفَوقَ المَهاوي۵مِنَ اقصى غايَةِ البُعدِ
إنّي أتَيتُكَ يا مَن لا يُخَيِّبُ مَنيَدعوهُ مُبتَهِلاً بِالواحِدِ الصَّمَدِ
هذا مُنازِلُ يَرتاعُ مِن عَقَقيفَخُذ بِحَقّي يا جَبّارُ مِن وَلَدي
حَتّى تُشِلَّ بِعَونٍ مِنكَ جانِبَهُيا مَن تَقَدَّسَ لَم يولَد ولَم يَلِدِ
قالَ : فَوَ الَّذي سَمَكَ السَّماءَ ، وأنبَعَ الماءَ ، مَا استَتَمَّ دُعاءَهُ حَتّى نَزَلَ بي ما تَرى ـ ثُمَّ كَشَفَ عَن يَمينِهِ ، فَإِذا بِجانِبِهِ قَد شَلَّ ـ فَأَنَا مُنذُ ثَلاثِ سِنينَ أطلُبُ إلَيهِ أن يَدعُوَ لي ۶ فِي المَوضِعِ الَّذي دَعا بِهِ عَلَيَّ ، فَلَم يُجِبني ، حَتّى إذا كانَ العامُ ، أنعَمَ عَلَيَّ فَخَرَجتُ بِهِ عَلى ناقَةٍ عُشَراءَ ۷ اُجِدُّ السَّيرَ حَثيثا رَجاءَ العافِيَةِ ، حَتّى إذا كُنّا عَلَى الأَراكِ ۸ وحَطمَةِ وادِي السِّياكِ ۹ نَفَرَ طائِرٌ فِي اللَّيلِ ، فَنَفَرَت مِنهُ النّاقَةُ الَّتي كانَ عَلَيها ، فَأَلقَتهُ إلى قَرارِ الوادي ، وَارفَضَّ بَينَ الحَجَرَينِ ، فَقَبَرتُهُ هُناكَ ، وأعظَمُ مِن ذلِكَ أنّي لا اُعرَفُ إلاَّ «المَأخوذَ بِدَعوَةِ أبيهِ» .
فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أتاكَ الغَوثُ ، ألا اُعَلِّمُكَ دُعاءً عَلَّمَنيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وفيهِ اسمُ اللّهِ الأَكبَرُ الأَعظَمُ العَزيزُ الأَكرَمُ ، الَّذي يُجيبُ بِهِ مَن دَعاهُ ، ويُعطي بِهِ مَن سَأَلَهُ ، ويُفَرِّجُ بِهِ الهَمَّ ، ويَكشِفُ بِهِ الكَربَ ، ويُذهِبُ بِهِ الغَمَّ ، ويُبرِئُ بِهِ السُّقمَ ، ويَجبُرُ بِهِ الكَسيرَ ، ويُغني بِهِ الفَقيرَ ، ويَقضي بِهِ الدَّينَ ، ويَرُدُّ بِهِ العَينَ ، ويَغفِرُ بِهِ الذُّنوبَ ،

1.الورق : الدّراهم المضروبة ، وفي الورق ثلاث لغات : وَرِق ، ووِرْق ، ووَرَق (الصحاح : ج ۴ ص ۱۵۶۴ «ورق») .

2.الشَّمَردَلُ : السريع من الإبل وغيره (الصحاح : ج ۵ ص ۱۷۴۱ «شمردل») .

3.الغارِب : ما بين العُنُق والسَّنام ، وهو الذي يُلقى عليه خِطام البعير إذا اُرسِل (المصباح المنير : ص ۴۴۴ «غرب») .

4.العَيرانة : ناقة تشبّه بالعَيْر [أي الحمار الوحشي] في سرعتها ونشاطها (الصحاح : ج ۲ ص ۷۶۴ «عير») .

5.المَهواة : موضع في الهواء مشرف ما دونه من جبل وغيره (لسان العرب : ج ۱۵ ص ۳۷۰ «هوا») . وفي بحار الأنوار : «المهاد» .

6.في المصدر : «يدعوني» ، والتصويب من بحار الأنوار .

7.العُشَراءُ من النوق : التي مضى لحملها عشرة أشهر بعد طروق الفعل (تاج العروس : ج ۷ ص ۲۲۵ «عشر») .

8.هو وادي الأراك قرب مكّة (معجم البلدان : ج ۱ ص ۱۳۵) .

9.في المصدر : «وحطته وادي السجال» ، والتصويب من بحار الأنوار .


نهج الدّعاء
364

فَقالَ : اِعتَبِرهُ عَسى [أن] ۱ تَراهُ .
فَما زِلتُ أخبِطُ في طَخياءِ الظَّلامِ ، وأتَخَلَّلُ بَينَ النِّيامِ . فَلَمّا صِرتُ بَينَ الرُّكنِ وَالمَقامِ ، بَدا لي شَخصٌ مُنتَصِبٌ ، فَتَأَمَّلتُهُ فَإِذا هُوَ قائِمٌ ، فَقُلتُ :
السَّلامُ عَلَيكَ أيُّهَا العَبدُ المُقِرُّ المُستَقيلُ المُستَغفِرُ المُستَجيرُ أجِب بِاللّهِ ابنَ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .
فَأَسرَعَ في سُجودِهِ وقُعودِهِ وسَلَّمَ ، فَلَم يَتَكَلَّم حَتّى أشارَ بِيَدِهِ بِأَن تَقَدَّمني ، فَتَقَدَّمتُهُ فَأَتَيتُ بِهِ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقُلتُ : دونَكَ ها هُوَ !
فَنَظَرَ إلَيهِ ، فَإِذا هُوَ شابٌّ حَسَنُ الوَجهِ ، نَقِيُّ الثِّيابِ ، فَقالَ لَهُ : مِمَّنِ الرَّجُلُ ؟ فَقالَ لَهُ : مِن بَعضِ العَرَبِ .
فَقالَ لَهُ : ما حالُكَ؟ ومِمَّ بُكاؤُكَ وَاستِغاثَتُكَ ؟
فَقالَ : حالُ مَن اُوخِذَ بِالعُقوقِ فَهُوَ في ضيقٍ ارتَهَنَهُ المُصابُ ، وغَمَرَهُ الاِكتِيابُ ، فَارتابَ ۲ ، فَدُعاؤُهُ لا يُستَجابُ .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : ولِمَ ذلِكَ ؟
فَقالَ : لِأَنّي كُنتُ مُلتَهِيا فِي العَرَبِ بِاللَّعبِ وَالطَّرَبِ ، اُديمُ العِصيانَ في رَجَبٍ وشَعبانَ ، وما اُراقِبُ الرَّحمنَ ، وكانَ لي والِدٌ شَفيقٌ ، يُحَذِّرُني مَصارِعَ الحَدَثانِ ۳ ، ويُخَوِّفُنِي العِقابَ بِالنّيرانِ ، ويَقولُ : كَم ضَجَّ مِنكَ النَّهارُ وَالظَّلامُ ، وَاللَّيالي وَالأَيّامُ ، وَالشُّهورُ وَالأَعوامُ ، وَالمَلائِكَةُ الكِرامُ ، وكانَ إذا ألَحَّ عَلَيَّ بِالوَعظِ زَجَرتُهُ وَانتَهَرتُهُ ، ووَثَبتُ عَلَيهِ وضَرَبتُهُ .

1.الزيادة من بحار الأنوار .

2.في بحار الأنوار : ج ۱ ص ۲۲۵ : «فإن تابَ» بدل «فارتاب» .

3.حَدَثانُ الدهر وحوادثه : نُوَبُهُ ، وما يحدث منه (لسان العرب : ج ۲ ص ۱۳۲ «حدث») .

  • نام منبع :
    نهج الدّعاء
    سایر پدیدآورندگان :
    رسول الافقی، احسان السرخئی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1428ق / 1386 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 151619
صفحه از 787
پرینت  ارسال به