417
نهج الدّعاء

إليه ، ولكلِّ ضالٍّ عن الحقِّ بالاعتراف به والاعتماد عليه .
ثمّ دعوتُ لأهل التوفيق والتحقيق بالثبوت على توفيقهم ، والزيادة في تحقيقهم ، ودعوتُ لنفسي ومن يعنيني أمرُهُ بحسب ما رجوتُه من الترتيب الذي يكون أقرب إلى مَن أتضرّعُ إليه ، وإلى مراد رسوله صلى الله عليه و آله ، وقد قدَّمتُ مهمّاتِ الحاجاتِ بحسب ما رجوتُ أن يكون أقرب إلى الإجابات .
أفلا تَرى ما تَضمّنه مقدّسُ القرآن من شفاعة إبراهيم عليه السلام في أهل الكفران؟!
فقال اللّه جلّ جلاله : «يُجَـدِلُنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَ هِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّ هٌ مُّنِيبٌ »۱ ، فمَدحَهُ ـ جَلَّ جلالُهُ ـ على حلمه وشفاعته ومجادَلته في قوم لوط ، الذين قد بَلَغَ كُفرُهم إلى تعجيل نقمته .
أما رأيتَ ما تضمّنته أخبارُ صاحب الرسالة ـ وهو قدوة أهل الجلالة ـ كيف كان كُلّما آذاهُ قومُهُ الكفّارُ وبالغوا فيما يفعلون ، قال صلوات اللّه عليه وآله : «اللّهُمَّ اغفِر لِقَومي ؛ فَإِنَّهُم لا يَعلَمونَ» .
أما رأيتَ الحديثَ عن عيسى عليه السلام : «كُن كَالشَّمسِ تَطلُعُ عَلَى البَرِّ وَالفاجِرِ» ؛ وقولَ نبيّنا صلوات اللّه عليه وآله : «اِصنَعِ الخَيرَ إلى أهلِهِ وإلى غَيرِ أهلِهِ ؛ فَإِن لَم يَكُن أهلَهُ فَكُن أنتَ أهلَهُ» ؟ وقَد تضمّنَ ترجيحَ مقامِ المُحسنينَ إلى المسيئينَ قولُهُ جلَّ جَلالُه : «لاَّ يَنْهَـاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَـتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَـرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ »۲ ، ويَكفي أنّ محمّدا صلى الله عليه و آله بُعِثَ رَحمةً للعالمين» . ۳
فالدعاء لهداية الضالّين غير مذموم ، وليس هذا فحسب بل ممدوح أيضا ، علما أنّ الاستغفار لهم لا يصحّ إن لم يصلحوا عقائدهم .

1.هود : ۷۵ .

2.الممتحنة : ۸ .

3.الإقبال : ج ۱ ص ۳۸۴ .


نهج الدّعاء
416

الثاني : المعاندون ، وهم الذين عرفوا الحقّ وشاقّوه على علم منهم به لتهوّسهم واستعلائهم ، أو تكون الوسيلة والقدرة على معرفة الحقّ في متناول أيديهم ، ولكنّهم لا يكترثون لها ويتمسّكون بالباطل .
أمّا الصنف الأوّل فالدعاء لهدايتهم ليس ممدوحا فحسب ، بل كلّ سعي وجهد يُبذَل من أجل توعيتهم وتبصيرهم وتربيتهم وتعليمهم ضروريّ . ولذا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يدعو لهداية قومه على الرغم من صنوف الأذى التي لقيها منهم . فقال صلى الله عليه و آله :
اللّهُمَّ اهدِ قَومي فَإِنَّهُم لا يَعلَمونَ .۱
وللمرحوم السيّد ابن طاووس رحمه الله المصنّف العظيم لكتاب الإقبال الكريم في هذا الشأن كلام في غاية الروعة والجمال يقول فيه : «وكنتُ في ليلةٍ جليلةٍ من شهر رمضانَ بعد تصنيفِ هذا الكتابِ [الإقبال] بزمانٍ ، وأنا أدعو في السَّحَرِ لِمَن يجِبُ أو يَحسُنُ تقديم الدعاء له ولي ولِمَن يَليقُ بالتوفيق أن أدعو له ، فورد على خاطِري أنّ الجاحدين للّه ـ جَلَّ جَلالُهُ ـ ولِنِعَمِهِ والمُستخفّينَ بِحُرمَته ، والمُبدّلينَ لِحكمه في عباده وخَليقَته ، ينبغي أن يُبدَأ بالدعاء لهم بالهداية من ضَلالتهم ؛ فإنَّ جِنايتهم على الرُّبوبيّة ، والحكمة الإلهيّة ، والجَلالة النَّبويّة أشدُّ مِن جنايةِ العارفينَ باللّهِ وبالرسول صلوات اللّه عليه وآله .
فيقتضي تعظيمُ اللّه وتَعظيمُ جلاله وتعظيمُ رسوله صلى الله عليه و آله وحقوقُ هدايته بمقاله وفِعاله أن يُقَدَّمَ الدعاءُ بهداية مَن هو أعظمُ ضررا وأشدُّ خطرا ؛ حيثُ لم يَقدر أن يزالَ ذلك بالجهاد ، ومَنعهم من الإلحاد والفساد .
أقول : فدعوتُ لكلِّ ضالٍّ عن اللّه بالهداية إليه ، ولكلِّ ضالٍّ عن الرسول بالرجوع

1.راجع : ص ۴۶۲ (دعاء النبيّ لقومه) .

  • نام منبع :
    نهج الدّعاء
    سایر پدیدآورندگان :
    رسول الافقی، احسان السرخئی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1428ق / 1386 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 151068
صفحه از 787
پرینت  ارسال به