43
نهج الدّعاء

القرآن والصلاة .
وتجدر الإشارة إلى أنّ جميع هذه الأحاديث ـ عدا الحديث الذي يحمل رقم (55) غير صحيحة السند .
وقد طرح البعض ـ في محاولة للجمع والتوفيق بين الأحاديث المذكورة ، مع تأكيد نسبية تفضيل كلّ واحد من الدعاء والصلاة والقرآن على البعض الآخر ـ احتمال أن يكون مخاطبو هذه الأحاديث متفاوتين ؛ حيث كان المعصومون يلجأون إلى التوصيات وإلى مزيد من التأكيد واستخدام ما يمكن أن يُصطلح عليه بمطرقة الموازنة والتعديل بالنسبة إلى كلّ من لا يضع كلاًّ من الدعاء أو الصلاة أو القرآن في الموضع المناسب ، ولا يهتم به على قدر ما ينبغي من الاهتمام .
ومن جملة القرائن الدالّة على القول السالف ذكره هو أنّ الدعاء ـ الذي يُعتبر روح العبادة ومدعاة لانصياع المرء أمامَ الحقّ واجتناب نزعة الاستكبار ـ أكثر صعوبة ويستلزم حالاً أشدّ إقبالاً من حال قراءة القرآن والصلاة . وهذا ما جعل الاهتمام به أقلّ إلاّ عند الخواصّ من المؤمنين .
كانت قراءة القرآن والصلاة موضع اهتمام أكثر لدى عموم المسلمين ؛ وذلك انطلاقاً من توصيات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام من جهة ، وفي ضوء تأكيدات بعض الحكّام والخلفاء الذين كان دافعهم إقحام شعار «حسبنا كتاب اللّه » وتمشيتهِ ومساع اُخرى من هذا القبيل من جهة اُخرى ، ممّا أدّى إلى أن يغدو الاهتمام بالقرآن والصلاة أكثر من الاهتمام بالدعاء .


نهج الدّعاء
42

يتطلّب ملاحظة أمرين ، وهما :
1 . القرآن منهاج للحياة وإرشاد إلى كلّ العبادات ومنها الدعاء . وبالإضافة إلى ذلك من الواجب قراءة شيء من القرآن في الصلاة .
2 . الأحاديث الدالّة على أفضلية الدعاء على الصلاة أو على القرآن ، صادرة عن النبي والأئمّة الذين انتهجوا منهجاً والتزموا توجّهاً اُرسيت قواعده على الاعتدال ، وأسّسوا في حياتهم العملية مكانة خاصّة لكلّ من الدعاء والقرآن والصلاة الواجبة والمستحبّة ، هذا من جهة ومن جهة اُخرى كانوا على مرتبة ذات ميزة سامقة وهي أنّهم لم يكونوا قطّ بين أمرين أحدهما حسن والآخر أحسن إلاّ اختاروا أحسنهما .
وبناءً على ذلك وفي ضوء ما تفيده قرينة شخصية قائل هذه الأحاديث ، فمن المتيقّن أنّ الروايات التي ترجّح الدعاء على قراءة القرآن لا تريد القول بأنّ من الأفضل لاتّباع القرآن أن يتخلّوا كلّياً عن قراءة هذا الكتاب السماوي ، أو أن لا يهتمّوا به اهتماماً بالغاً ، ويتمسّكوا عوضاً عنه بالدعاء لما له من فضيلة أعظم . وإنّما المراد هو أنّ أيّاً من هذه المكوّنات العبادية الثلاثة إذا اُتي بها بما يلزم من الوجوب والاستحباب ، ثم سنحت فرصة يدور فيها الأمر بين أحد هذه الثلاثة ، فالدعاء مقدّم ؛ وذلك لأنّ الدعاء ـ الذي يُعتبر روح العبادة والمحفّز على الترفّع عن خصلة الاستكبار والداعي الحثيث إلى الخضوع أمام الحقّ ـ أشدّ وطأةً على النفس من قراءة القرآن ، وفضيلته أعظم .
وبعبارة اُخرى ؛ إنَّ الحديث الأوّل والثاني والرابع في هذا الباب ، والحديث الذي هو موضع بحثنا حالياً ، توحي كلّها بشيء واحد ، وهو أنّه إذا تمّ أداء القدر المفروض من الصلاة وقراءة القرآن ، وبعد إيجاد نوع من التوازن في الاهتمام بكلّ واحد من هذه الجوانب الثلاثة ، يُقدَّم عند ذاك الدعاء على ما هو مستحبّ من قراءة

  • نام منبع :
    نهج الدّعاء
    سایر پدیدآورندگان :
    رسول الافقی، احسان السرخئی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1428ق / 1386 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 150527
صفحه از 787
پرینت  ارسال به