تبارك وتعالى قد أنزل نفس عليٍّ عليه السّلام منزلة نفس النبيّ صلّى الله عليه و آله وأجراها مجراها ، وهو يقتضي المساواة في جميع الوجوه خلا النبوّة ، للإجماع على أنّ محمّداً صلّى الله عليه و آله كان نبيّاً ولم يكن عليٌّ كذلك ، فبقي هذا العموم معمولاً به فيما وراء ذلك ، ويدلّ عليه قوله صلّى الله عليه و آله لعليٍّ عليه السّلام ـ في الحديث الصحيح المتّفق عليه بين الفريقين ـ : أنتّ منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ من بعدي ، وقوله صلّى الله عليه و آله لعليٍّ عليه السّلام أيضاً ـ فيما أخرجه ابن أبي عاصمٍ ، وابن جريرٍ وصحّحه ، والطبراني في «الأوسط» وابن شاهين في «السُنّة» ـ : ما سألتُ الله لي شيئاً إلا سألتُ لك مثله ، ولا سألت الله شيئاً إلا أعطانيه ، غير أنّه قيل لي : إنّه لا نبيّ بعدك ۱ .
وقد حكى الفخر الرازيّ ذلك في (تفسيره) ۲ ولم يناقش فيه ، مع أنّ من دأبه التشكيك في الضروريّات ، وما ذلك إلا لظهور هذا الأمر ووضوحه ـ ولله الحمد ـ حتّى عند إمام المشكّكين .
فإذا ثبتت مساواة عليٍّ عليه السّلام للنبيّ صلّى الله عليه و آله فيما عدا النبوّة؛ ثبت أنّه عليه السّلام لم يشرب الخمر قطّ ، لثبوت العصمة المطلقة له بذلك كثبوتها له صلّى الله عليه و آله ، ولم يثبت أنّ الأنبياء عليهم السّلام شربوا الخمر في وقتٍ أصلاً ـ كما قال الآلوسيّ ۳ ـ بل إنّ ذلك مقطوعٌ به ، لا يرتاب فيه ذو تحصيلٍ ، لمكان العصمة التي هي من لوازم النبوّة الضروريّة .
فهلا تنبّه من يتديّن بهذه الأحاديث المزخرفة ويتعبّد بها؛ لما يلزمه من إبطال هذه الآية من الكتاب العزيز الذي (لا يأتيه الباطلُ من بين يَدَيْهِ ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ) ، (أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها ، بل ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غِشاوةٌ ولهم عذابٌ عظيم) .
1.كنز العمّال : ۱۳/۱۷۰ ح۳۶۵۱۳ .
2.مفاتيح الغيب : ۸/۹۱ .
3.روح المعاني : ۲/۱۱۴ .