قلت : هذا باطل مردود ، فإنّ شرب الخمر لم يزل محرّماً في جميع الشرائع ـ كما عرفت ـ .
ثمّ إنّ النوويّ غفل عمّا قال ، فنقل احتجاج الجمهور على تحريم جميع الأنبذة المسكرة ـ ساكتاً عليه ـ : بأنّ الله تعالى نبّه على أنّ علّة تحريم الخمر كونها تصدّ عن ذِكر الله وعن الصلاة ۱ (اهـ ) .
وهو يقتضي أن يكون التحريم قد وقع بمكّة ـ على أقلّ الأحوال ـ لأنّ الصلاة فُرضت بها في أوّل الإسلام ، وإلا فكون الخمر تصدّ عن ذِكْر الله تعالى يقتضي تحريمها في الأزل ، لأنّ ما يصدّ عن ذِكر الله يلزم العبد اجتنابه ، وهذا مطَّرد في جميع الشرائع والأديان ، وفي كلّ عصرٍ وزمان ، فافهم ترشد .
وذكر الخطيب الشربينيّ في (شرح المنهاج) ۲ اختلافَ أصحابه الشافعيّة في أنّ شربَ المسلمين للخمر في أوّل الإسلام؛ هل كان استصحاباً منهم بحكم الجاهليّة أو بشرعٍ في إباحتها ، قال : فرجّح الماورديّ الأوّل ، والنوويّ الثاني .
وأنت خبيرٌ بأنّ ما رجّحه النوويّ لا دليلَ عليه من جهة الشرع ، لأنّ إباحة الخمر ـ عنده ـ في أوّل الإسلام ؛ إما أن تكون ثابتةً باستصحاب الشريعة السابقة ، ولا سبيل إلى إثباته مطلقاً .
وإمّا أن تكون ثابتةً بنصٍّ من الشارع ، ولا نصّ بالاتّفاق .
وإمّا أن تكون ثابتةً بالتقرير والسكوت وعدم الإنكار ، وقد يُستدلّ له بما مرّ من حديث أبي هريرة ـ عند أحمد ۳ ـ قال : حُرّمت الخمر ثلاث مرّاتٍ ، قدم رسول الله صلّى الله عليه و آله المدينة ـ وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر ـ فسألوا رسولَ الله صلّى الله عليه و آله عن ذلك فأنزل الله تعالى : يسألونك عن الخمر والميسر فقال
1.مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج : ۴/۱۸۶ .
2.شرح صحيح مسلم : ۸/۲۱۹ .
3.مسند أحمد : ۲/۳۵۱ .