واحدٍ لكفى (اهـ ) .
وقال أبوالثناء شهاب الدين الآلوسيّ البغداديّ في (روح المعانيّ) ۱ : من مفاسد الخمر إزالة العقل الذي هو أشرف صفات الإنسان ، وإذا كانت عدوّةً للأشرف لزم أن تكون أخسّ الأمور ، لأنّ العقل إنّما سمّي عقلاً لأنّه يعقل ـ أي يمنع صاحبه عن القبائح التي يميل إليها بطبعه ـ فإذا شرب زال ذلك العقل المانع عن القبائح ، وتمكّن إلْفُها ـ وهو الطبع ـ فارتكبها وأكثر منها ، وربّما كان ضحكةً للصبيان حتّى يرتدّ إليه عقله .
قال : ومنها ـ أي ومن مفاسد الخمر ـ صدُّها عن ذِكْر الله تعالى وعن الصلاة ، وإيقاعها العداوة والبغضاء غالباً ، وربّما يقع القتل بين الشاربين في مجلس الشراب .
ومنها : أنّ الإنسان إذا أَلِفَها اشتدّ مَيْلُه إليها ، وكاد يستحيل مفارقته لها وتركه إيّاها ، وربّما أورثت فيه أمراضاً كانت سبباً لهلاكه ، وقد ذكر الأطبّاء لها مضارَّ بدنيّةً كثيرة ، كما لا يخفى على من راجع كتب الطبّ .
وبالجملة : لو لم يكن فيها سوى إزالة العقل والخروج عن حدّ الاستقامة؛ لكفى ، فإنّه إذا اختلّ العقل حصلت الخبائث بأسرها ، ولذلك قال صلّى الله عليه و آله : اجتنبوا الخمر فإنّها أمُّ الخبائث (انتهى) .
وأنت ـ يا رعاك الله ـ إذا تدبّرت ما ذُكر هنا من آفات الخمر التي لا تُحصى وفضائحها التي لا تُستقصى علمتَ أنّ العقل قاطعٌ بقبحها بالضرورة ، وأنّ الفساد لازم لذاتها ، فضلاً عمّا لها من أحوالٍ طبيعيّةٍ فظيعةٍ ، وآثارٍ وضعيّةٍ مُنكَرةٍ شنيعةٍ .
وتلك الأمور لازمة لذات الخمر وماهيّتها منذ كانت ، فلا يُعقل أن تكون قد عرضت لها بعد تحريمها ، بل هي باقية معها قبل التحريم وبعده ، كما أنّ منافعها ـ التي فُسِّر بها قوله تعالى : ومنافعُ للنّاس ـ من اللذّة والفرح وهضم الطعام وتصفية
1.روح المعاني : ۲/۱۱۴ ـ الزواجر عن اقتراف الكبائر : ۲/۲۴۷ ـ ۲۴۸ .