77
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

وعانَيتِ ما حلّ بهم المصيبات .

وفي ذكر هول الموت والقبر والبِلىعن اللّهو واللّذات للمرء زاجرُ
أَ بَعدَ اقترابِ الأربعين تَرَبُّصٌوشيبُ القذال۱منذ ذلك ذاعرُ
كأنّك مَعنِيٌّ بما هو ضائرلنفسك عمدا أو عن الرشدِ حائرُ
أُنظر إلى الأمم الماضية ، والقرون الفانية ، والملوك العاتية ، كيف انتفتهم ۲ الأيّام ، فأفناهم الحمام ۳ ، فَأمْحَت ۴ من الدنيا آثارهم ، وبقيت فيها أخبارُهم .

وأضحوا۵رميما في التراب وَاَقْفَرتْمجالِسُ منهمُ عُطِّلتْ ومقاصر
وَحَلّوا بدار لا تَزاوُرَ بينهموأنّى لسكّان القبور التّزاوُرُ
فما اِنْ ترى إلاّ قبورا۶ثَوَوْا بهامسطّحة۷تسفي عليها الأعاصرُ
كم عاينت من ذي منعة وسلطان ۸ ، وجنود وأعوان ، تمكّن من دنياه ، ونال فيها ما تمنّاه ، وبنى فيها القصور والدَّساكر ، وجمع فيها الأموال ۹ والذخائر ، وملح السراري والحرائر .

فما صرفت كف المنيّة إذ أتتمُبادِرَةً تهوى إليه الذخائرُ
ولا دفعت أهل الحصون الّتي بنىوَحَفَّتْ بها أنهارُها۱۰والدَّساكرُ۱۱
ولا قارعت أهل المنيّة حيله ولا طَمِعتْ في الذّب عنه العساكرُ
أتاه من أمر اللّه ما لا يُردّ ، ونزل به من قضائه ما لا يُصدّ ، فتعالى اللّه الملك الجبّار ، المتكبّر العزيز القهّار ، قاصم الجبّارين ، ومبيد المتكبّرين ، الّذي ذلّ لعزّه كلّ سلطان ، وباد بقوّته كلّ ديّان .

مليكٌ عزيزٌ لا يُردّ۱۲قضائهحكيمٌ عليمٌ نافذ الأمر قاهرُ
عنى كلّ ذي عزّ لعزّة وجههفكم من عزيز۱۳للمهيمن صاغر
لقد خضعت۱۴واستسلمت وتضاءلتلعزّة ذي العرش الملوكُ الجبابرُ
فالبِدارَ البِدارَ ! الحِذار الحِذار! من الدنيا ومكائِدِها ، وما نُصبت لك من مصائِدها ، وتحلّت لك من زينتها ، وأظهرت لك من بهجتها ، وأبرزت لك من شهواتها ، وأخفت عنك من قواتلها وهلكاتها .

وفي دون ما عايَنْتَ من فجعاتهاإلى دفعها۱۵داع وبالزهد آمر
فَجِدِّ ولا تغفل وكن متيقّضافعمّا قليل يترك الدار عامر
فَشَمِّرْ ولا تفترّ فعمرك زائلوأنت إلى دار الإقامة۱۶
صائر

ولا تطلب الدنيا فإنّ نعيمها۱۷
وإن نلت منها غُبّةً۱۸لك صائر

فهل يحرص عليها لبيب ، أو يُسَرُّ بها ۱۹ أريب ، وهو على ثقةٍ من فنائها ، وغير

1.في نسخة : «وشيب القذال منذرٌ لك» .

2.في نسخة : «انتسفتهم» .

3.في نسخة : «كيف أختطفهم عقبان الأيّام ، ووافاهم الحمام» .

4.في نسخة : «فامتحت» ، وفي نسخة اُخرى : «فانمحت» .

5.في نسخة : «وأمسوا» .

6.في الصحيفة «جثى» بدل «قبوراً».

7.في الصحيفة : «مسنّمة» .

8.في نسخة : «كم عانيت من ذي عزّ» .

9.في نسخة «الأعلاق» بدل «الأموال» .

10.في نسخة : «وحفّ بها أنهاره» .

11.«الدسكرة» : القرية العظيمة ، أو بيوت يكون فيها الشراب والملاهي ، أو بناء كالقصر تكون حواليه بيوت يجتمع فيها الشّطار ، جمع دساكر .

12.في نسخة : «ما يُردّ» .

13.في نسخة : «فكلّ عزيز».

14.في نسخة : «خشعت» .

15.في نسخة : «إلى رفضها» .

16.في نسخة : «إلى دار المنيّة» .

17.في نسخة : «فإنّ طِلابها» . الطلاب والمطالبة : طلب منه حقاً له عليه .

18.«الغُبّة» ـ بالضمّ ـ : البلغة من العيش .

19.في نسخة : «بلذّتها» .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
76

(ومن كلام له عليه السلام)

(وكان لمّا يحاسب نفسه ، ويناجي ربّه)

۰.ويقول : يا نفس ، حتّامَ إلى الحياة سكونكِ ، وإلى الدنيا وعمارتها رُكونكِ ؟ أما اعتبرتِ بمن مضى من أسلافكِ ! ومَن وارَتْه الأرض من أُلاّفكِ ۱ ، ومن فُجعتِ به من أخوانك ، ونقل إلى الثرى ۲ من أقرانكِ (ونُقلتِ إلى دار البلى من أقرانك)

فهم في بطون الأرض بعد ظهورهامحاسنهم فيها بَوالٍ دواثرُ
خلت دورهم منهم وأقْوَتْ عِراصُهم۳وساقتهم نحو المنايا المقادرُ
وَخَلّوا عن الدنيا وما جمعوا لهاوضمّتهم نحو۴التراب الحفائرُ
كم خرمت ۵ أيدي المنون من قرونٍ بعد قرون ؟ وكم غيّرت الأرض ببلائها ، وغيَّبت في تُرابها ۶ ، ممّن عاشرت من صنوف الناس ، وشَيَّعتهم إلى الأرماس ، ثُمَّ رجعت عنهم إلى عمل أهل الأفلاس .

وأنت على الدنيا مكّبٌ مُنافِسٌلِخُطّابها فيها حريص مُكاثرُ
على خطرٍ تُمسي وتُصبح لاهياأتدري بماذا لو عقلتِ تُخاطِرُ
وإنّ امرأً يسعى لدنياهُ جاهداوَيَذهَلُ عن اُخراه لا شكّ خاسرُ
حتّامَ على الدنيا إقبالُكِ ، وبشهواتها اشتغالُك ، وقد وَخَطَكَ القتيرُ ۷ ، ووافاك النذير ، وأنت عما يُراد بك ساهٍ ، وبلذّة يومك لاه ، وقد رأيت انقلاب الشهوات ،

1.«أُلاّف» ـ جمع اُلف ، مثل كافر وكفّار ـ : الصديق ، وفي نسخة : «الألاف» ـ جمع الإلف بالكسر ـ بمعنى الأليف . قال الشاعر : إذا مضَ الألاف عنك لظعنه والمؤنسون فأنت أوّل ذاهبٍ(إرشاد القلوب ص ۱۶ ج ۱)

2.في الصحيفة «دار البلى» بدل «الثرى» .

3.«أقوت الدّار» : أي خلت .

4.في الصحيفة «تحت» بدل «نحو» .

5.في نسخة : «كم أخرمَتْ» وفي نسخة أُخرى : «وكم تخرّمت» .

6.في البحار : «في ثرائها» .

7.«وخط الشّيب» : خالط سواد شعره . «القتير» : الشيب ، أو أوّل ما يظهر منه .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 116267
صفحه از 336
پرینت  ارسال به