89
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
88

فيا ذا السطوة والقدرة ، والمعجب بالكثرة ، ما هذه الحيرة والفترة ، لك فيمن مضى عبرة ، وليوذّن الغافلون عمّا إليه تصيرون ، إذا تحقّقت الظّنون ، وظهر السرّ المكنون ، وتندمون حين لا تُقالون « ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَ لِكَ لَمَيِّتُونَ »۱ .

سيندم فعّالٌ على سوء فعلهويزداد منه عند ذلك التشاهق۲
إذا عاينوا من ذي الجلال اقتدارهوذو قوّة من كان قدما يداقق
هنالك تتلو كلّ نفس كتابهافيطفو ذو عدل ويرسب فاسق
إلى كم ذا التّشاغل بالتجارة والأرباح؟ وإلى كم ذا التهوّر بالسرور والأفراح؟ وحتّامَ التغرير بالسلامة في مراكب النياح؟ مَن ذا الّذي سالمه الدهر فسلم ، ومَن ذا الّذي تاجر الزمان فغنم ، ومَن ذا الّذي استرحم الأيّام فرحم ، اعتمادك على الصحّة والسلامة خرق ، وسكونك إلى المال والولد حمق ، والاغترار بعواقب الأُمور خلق ، فدونك وحزم الأُمور ، والتيقظ ليوم النشور ، وطول اللّبث في صفحات القبور « فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا وَ لاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ »۳ .

فَمَنْ صاحب الأيام سبعين حِجّةً۴
ولذّاتها لا شكّ منه طوالق

فعقبى حلاوات الزّمان مريرة
وإن عذبت حينا فحينا خرابق۵

ومن طرقته الحادثات بويلها
فلابدّ أن تأتيه فيها الصواعق

فما هذه الطمأنينة وأنت مُزعج ؟ وما هذه الولوج وأنت مُخرَج ؟ جمعك إلى تفريق ، ووفرك إلى تمزيق ، وسعتك إلى ضيق . فيا أيّها المفتون ، والطامع بما لا يكون « أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ »۶ .
ستندم عند الموت شر ندامه إذا ضمّ أعضاك الثرى والمطابق
وعانيت أعلام المنيّة والرّدى
ووافاك ما تبيّض منه المفارق

وصرت رهينا في ضريحك مفردا
وباعدك الجار القريب الملاصق

فيا من عدم رشده ، وجار قصده ، ونسي ورده ، إلى متى تواصل بالذنوب ؟ وأوقاتك محدودة ، وأفعالك مشهودة ، أفتعوّل على الاعتذار ، وتهمل الأعذار والإنذار ، وأنت مقيم على الإصرار « وَ لاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَـفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّــلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَـرُ »۷ .

إذا نُصب الميزان للفصل والقضاوأبلس محجاجٌ وأخرس ناطق
واُجّجت النيران واشتدّ غيضهاإذا افتتحت أبوابها والمغالق
وقطّعت الأسباب من كلّ ظالميقيم على اصراره وينافق
فقدّم التوبة ، واغسل الحوبة ۸ ، فلابدّ أن تبلغ بك النوبة ، وحسّن العمل قبل حلول الأجل ، وانقطاع الأمل ، فكلّ غائب قادم ، وكلّ غريب عازم ۹ ، وكلّ مفرط نادم . فاعمل للخلاص قبل القصاص ، والأخذ بالنواص .

فإنّك مأخوذ بما قد جنيتهوإنّك مطلوب بما أنت سارق
وذنبك إن أبغضته فمعانقومالك إن أحببته فمفارق
فقارِبْ وسدّد واتّق اللّه وحدهولا تستقلّ الزاد فالموت طارق
« وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْـلَمُونَ »۱۰ . ۱۱

1.المؤمنون : ۱۵ .

2.في نسخةٍ : «التسابق» .

3.لقمان : ۳۳ .

4.أي سبعين سنة ، ومنه قول الشاعر : وإنّ امْرأً قد عاش ستّين حجّةفلم يتزوّد للمعاد فجاهلُ

5.في نسخةٍ : «خوانق» .

6.المؤمنون : ۱۱۵ .

7.إبراهيم : ۴۲ .

8.الحوبة : «الأثمّ» .

9.في نسخة : «غارم» .

10.البقرة : ۲۸۱.

11.معالم العبر في استدراك البحار ، السابع عشر ، ص ۲۷۵ ط قديم للنورى ، قال : حدّث شاكر بن غنيمة بن أبي الفضل ، عن عبد الجبّار الهاشمي ، عن أبي عيينة ، عن الزهري ، عنه عليه السلام قال : كان... ، نقل عنه الشيخ المحمودي في نهج السعادة ، ج ۷ ، ص ۶۳ .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 116254
صفحه از 336
پرینت  ارسال به