رسالة في علم الرجال - صفحه 437

فبأنّا نقول: إنّ تصديق المشايخ إمّا يعتبر من باب التعبّد و من باب الشهادة، أو لأنّه يحصل بسبب تصديقهم القطع بقطعيّة ما نقلوا في كتبهم؛ إذ إخبار الثقة الجليل في الأمر الجلي يفيد العلم، فإن كان مقصودك الأوّل فيرد عليه.
أوّلاً: إنّه لم يوجد الحكم بالصحّة إلاّ في كلام الفقيه، و شهادة الواحد غير معتبرة.
و ثانيا: ليس مثل هذا الكلام في مثل هذا المقام شهادة، و الشهادة أمر عرفي غير متحقّقة في المقام، بل هو إفتاء و إخبار عن الأمر الاجتهادي، و إفتاء الفقيه ليس حجّة لفقيه آخر.
و ثالثا ليس معنى الصحّة هو القطع حتّى في اصطلاحهم كما مرّ، و هذا هو الوجه في اعتماد الأصحاب على توثيقاتهم و تعديلاتهم، و عدمِ اعتمادهم على تصحيح ما صحّحوا؛ إذ الأوّل إخبار عن الأمر المحسوس، و يجوز الأخذ به من باب الشهادة أو الرواية بخلاف الثاني.
و ملخّص الكلام أنّه يرد على ما ذكر من الاستدلال وجوه كثيرة من الاعتراض غير خفيّة على الناظر.
و إن كان مقصودك الثاني، فيرد عليه أنّ تصحيح المشايخ ليس أزيد من تصحيح سائر الأصحاب، و أنّ جميعها مسبَّب عن الأمارات و القرائن المختلفة باختلاف الأنظار، و كم من خبر يكون صحيحا عند بعضهم يكون ضعيفا عند الآخر، فلم يكن أمثال هذه التصحيحات إلّا من باب اجتهاد المجتهد و استنباط المستنبط، و اجتهاد أحد المجتهدين ليس حجّةً على الآخر. فإن كنت و لابدّ من التقليد، فلا أقل رجّحْ تقليد المشهور الذين لم يجوّزوا العمل بالأخبار إلّا بعد ملاحظة أحوال الرواة على تقليد المشايخ، مع أنّك إذا لاحظت أحوال المشايخ ترى أنّهم لم يبنوا على العمل بأخبارهم إلّا بملاحظة الاجتهاد في السند و الدلالة؛ أما سمعت قول الصدوق رحمه الله أنّه قال: «كلّ خبر كان صحيحا عند شيخي ابن الوليد فهو صحيح عندي، و كلّ خبر كان ضعيفا عنده فهو ضعيف عندي»؟! ۱ و هل هذا يفيد قطعيّة الخبر؟!

1.راجع: هداية المسترشدين، ص۳۸۴.

صفحه از 478