المشركين ينادي : الأسير الغريب المسكين الجائع ، فلمّا نظر الأسير إلى المرأة تطعم الصبي من حضنها ، أقبل إليها فقال : يا أمة اللّه أطعميني ممّا أراك تطعمينه هذا الصبي .
قالت المرأة : لا لعمرك واللّه ، ماكنت لأُطعمك من رزقٍ رزق اللّه هذا اليتيم المسكين ، ولكني أدلّك على من أطعمني كما دلّني عليه سائل قبلك .
قال لها الأسير : وأن الدال على الخير كفاعله .
فقالت له : أهل ذلك المنزل الّذي ترى فيه رجلاً وامرأة ، أطعما مسكينا سائلاً وهذا اليتيم .
فانطلق الأسير إلى باب عليّ وفاطمة عليهم السلام ، فهتف بأعلى صوته : يا أهل المنزل ، أطعموا الأسير الغريب المسكين من فضل مارزقكم اللّه تعالى .
فقال عليّ لفاطمة : أعندك شيء ؟
قالت : ماعندي طحين ، أصبت فضل تميرات ، فخلصتهن من النوى ، وعصرت النحي فقطرته على التمرات ، ودقّقت ما كان عندي من فضل الإقط ، فجعلته حيسا ، فما فضل عندنا شيء نفطر عليه غيره .
فقال لها عليّ عليه السلام : آثري به هذا الأسير المسكين الغريب .
فقامت فاطمة إلى ذلك الحيس فدفعته إلى الأسير ، وباتا يتضوران على الجوع من غير إفطار ولاعشاءٍ ولاسحور ، ثمّ أصبحا صائمين حتّى أتاهما اللّه سبحانه برزقهما عند الليل ، فصبرا على الجوع ، فنزل في ذلك : «وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِى مِسْكِينًا وَ يَتِيمًا وَ أَسِيرًا » أي : على شدة شهوتهم له «مِسْكِينًا » قرص ملة ، «وَ يَتِيمًا » حريرة ، «وَ أَسِيرًا » حيسا ، «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ » يخبر عن ضميرهما «لِوَجْهِ اللَّهِ » يقول إرادة ما عند اللّه من الثواب . «لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ » في الدنيا «جَزَآءً » ، يعني : ثوابا «وَ لاَ شُكُورًا » يقول : ثناء يثنون به علينا «إِنَّا نَخَافُ » يخبر عن ضميرهما ، «مِن رَّبِّنَا يَوْمًا