13
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

صانعا، لا يمكن الوصول إلى معرفة صانع العالم إلّا بمعرفة جواز تخلّف المعلول عن العلّة التامّة، وأنّ معلولاته تعالى تخلّفَتْ عنه زمانا، مع أنّه علّة تامّة لأوّلها ، فحدوث العالم تعبير عن هذا التخلّف؛ لأنّهما متساوقان ، ومعنى الصانع هنا يساوق معنى المحدث المثبت .
بيان ذلك : أنّ معنى لفظة «اللّه » من يستحقّ عبادة كلّ من سواه، ولا يستحقّ غيره عبادته . ولا شكّ أنّ هذا الاستحقاق لا يتحقّق في أحد إلّا إذا كان صانع العالم بمعنى الفاعل له بالقدرة، بمعنى صحّة الفعل والترك ؛ أي إمكان صدور كلّ منهما عنه إمكانا مقابلاً للوجوب السابق والامتناع السابق، والحاصل استجماعه للعلّة التامّة للفعل، وللعلّة التامّة للترك، فإنّها لو كانت بالمعنى الآخر فقط ـ وهو كونه بحيث إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل ـ لم يوجب استحقاق مدح فضلاً عن العبادة .
وهذا مبنيّ على جواز تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، فمعنى المصنوع المفعولُ الغير الواجب بالوجوب السابق ؛ أي الغير اللازم عقلاً لعلّته التامّة، وأثر الصانع بهذا المعنى لا يكون إلّا حادثا زمانا بديهةً واتّفاقا من المسلمين والزنادقة ، ۱ حتّى أنّه قيل : «إنّ النزاع بين الفريقين في قدرة واجب الوجود بالمعنى المذكور وعدمها عين النزاع في حدوث العالم وقدمه » انتهى . ۲ وليس معنى صانع العالم واجبَ الوجود، فمن استدلّ على إثبات الصانع بما يدلّ على إثبات واجب الوجود فقط، ۳ فقد وهم وخلط بين المقصود للمسلمين في هذا المقام، والمقصود للفلاسفة .
إن قلت : فيجب على المسلمين في مقام الاستدلال على وجود صانع العالم التعرّضُ لبيان جواز تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ليتمّ مقصودهم، وهم لم يتعرّضوا له؛ إنّما استدلّوا بمُدَبَّريّة شيء من العالم كحركة الشمس والقمر على وجود صانع

1.سيأتي توضيح كلمة «الزنادقة» من المصنف في شرح الحديث الأول .

2.في حاشية «أ» و «ج» : القائل الخفري في حاشية الهيات شرح التجريد (منه دام ظله) .

3.كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، ص ۳۹۱ ، تحقيق الآملي ، و ص ۳۰۵ ، تحقيق الزنجاني .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
12

فالمراد أنّ محدثه أثبت كلّ جزء وجزئي منه في زمان معيّن، دون ما تقدّمه من الأزمنة، ودون ما تأخّره، أي مع صحّة عدمه فيه، وصحّة وجوده فيما تقدّم، وفيما تأخّر، وفي مكان معيّن دون ما عداه من الأمكنة ؛ أي مع صحّة كونه فيما عداه، سواء كان تعيّن المكان شخصيّا ـ كما في الساكن في مكان خاصّ دون مكان آخر ـ أم نوعيّا، كما في المتحرّك في مسير خاصّ دون مسير آخر ، والمراد بصحّة الشيء حصول علّته التامّة.
أو مأخوذ من أثبته: إذا علمه حقّ العلم ؛ فالمراد أنّ محدثه حكيم. والمآل واحد .
وفي هذا الباب إبطال لقول مَن قال بقدم العالم . ۱ ولقول من قال : إنّ الزمان مقدار حركة الفلك . ۲ ولقول من قال : اختصّ حدوث العالم بوقته؛ إذ لا وقت قبله . ۳ ولقول من قال : إنّه إنّما يتكامل شروط وجود الحادث حين حدوثه، لا قبله؛ لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة . ۴ ولقول من قال : إنّ اللّه تعالى غير متّصف بالقدرة بمعنى صحّة الفعل والترك، بل إنّما يتّصف بالقدرة بمعنى إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل . ۵ ولقول من قال : لكلّ فلك نفس تحرّكه، ويتجدّد لها بكلّ دورة كمال، وتشبه بالبارئ تعالى . ۶ ولقول من قال : إنّ لكلّ جسم مكانا طبيعيّا . ۷
إن قلت : لِمَ لم يقل: باب وجود صانع العالم، وهو المتعارف بين المتكلِّمين ؟
قلت : للإشارة إلى أنّه كما لا يمكن الوصول إلى معرفة اللّه إلّا بمعرفة أنّ للعالم

1.اُنظر: شرح الإشارات ، ج ۳ ، ص ۱۳۱ ؛ تهافت الفلاسفة ، ص ۵۰ ؛ المطالب العالية في العلم الإلهي ، ج ۴ ، ص ۴۶ ؛ شرح المواقف ، ج ۷ ، ص ۲۲۹ ؛ معارج الفهم في شرح النظم ، ص ۱۳۴ .

2.اُنظر: شرح الإشارات ، ج ۳ ، ص ۱۷۷ ؛ المعتبر في الحكمة ، ج ۲ ، ص ۹۴ ؛ المباحث المشرقية ، ج ۱ ، ص ۷۳۲ ؛ الأسرار الخفية ، ص ۳۱۳ .

3.اُنظر كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، ص ۲۶۴ ، تحقيق الآملي ، و ص ۱۸۲ بتحقيق الزنجاني .

4.كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، ص ۲۶۴ ، ، تحقيق الآملي ، و ص ۱۸۲ ، بتحقيق الزنجاني .

5.المواقف للإيجي، ج ۳ ، ص ۷۴ ، و ص ۷۹ و ۱۲۱ ؛ شرح المواقف، ج ۸ ، ص ۴۹ و ص ۵۶. وانظر الحكمة المتعالية، ج ۸ ، ص ۳۰۷، الموقف الرابع في قدرته.

6.حكاه عن القدماء في الملل والنحل ، ج ۲ ، ص ۱۹۴ ، وحكاه في شرح المقاصد ، ج ۲ ، ص ۳۵ عن الإشارات .

7.المواقف للإيجي ، ج ۲ ، ص ۳۸۹ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 81567
صفحه از 584
پرینت  ارسال به