صانعا، لا يمكن الوصول إلى معرفة صانع العالم إلّا بمعرفة جواز تخلّف المعلول عن العلّة التامّة، وأنّ معلولاته تعالى تخلّفَتْ عنه زمانا، مع أنّه علّة تامّة لأوّلها ، فحدوث العالم تعبير عن هذا التخلّف؛ لأنّهما متساوقان ، ومعنى الصانع هنا يساوق معنى المحدث المثبت .
بيان ذلك : أنّ معنى لفظة «اللّه » من يستحقّ عبادة كلّ من سواه، ولا يستحقّ غيره عبادته . ولا شكّ أنّ هذا الاستحقاق لا يتحقّق في أحد إلّا إذا كان صانع العالم بمعنى الفاعل له بالقدرة، بمعنى صحّة الفعل والترك ؛ أي إمكان صدور كلّ منهما عنه إمكانا مقابلاً للوجوب السابق والامتناع السابق، والحاصل استجماعه للعلّة التامّة للفعل، وللعلّة التامّة للترك، فإنّها لو كانت بالمعنى الآخر فقط ـ وهو كونه بحيث إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل ـ لم يوجب استحقاق مدح فضلاً عن العبادة .
وهذا مبنيّ على جواز تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، فمعنى المصنوع المفعولُ الغير الواجب بالوجوب السابق ؛ أي الغير اللازم عقلاً لعلّته التامّة، وأثر الصانع بهذا المعنى لا يكون إلّا حادثا زمانا بديهةً واتّفاقا من المسلمين والزنادقة ، ۱ حتّى أنّه قيل : «إنّ النزاع بين الفريقين في قدرة واجب الوجود بالمعنى المذكور وعدمها عين النزاع في حدوث العالم وقدمه » انتهى . ۲ وليس معنى صانع العالم واجبَ الوجود، فمن استدلّ على إثبات الصانع بما يدلّ على إثبات واجب الوجود فقط، ۳ فقد وهم وخلط بين المقصود للمسلمين في هذا المقام، والمقصود للفلاسفة .
إن قلت : فيجب على المسلمين في مقام الاستدلال على وجود صانع العالم التعرّضُ لبيان جواز تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ليتمّ مقصودهم، وهم لم يتعرّضوا له؛ إنّما استدلّوا بمُدَبَّريّة شيء من العالم كحركة الشمس والقمر على وجود صانع
1.سيأتي توضيح كلمة «الزنادقة» من المصنف في شرح الحديث الأول .
2.في حاشية «أ» و «ج» : القائل الخفري في حاشية الهيات شرح التجريد (منه دام ظله) .
3.كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، ص ۳۹۱ ، تحقيق الآملي ، و ص ۳۰۵ ، تحقيق الزنجاني .