133
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

وقوله: «هو قبل القبل بلا قبل» استئناف بياني للسابق؛ أي هو مقدّم على أوّل الحوادث بلا توقّف صدور أوّل الحوادث عنه على شرط حادث، كما مضى في ثاني الباب من قوله عليه السلام : «وكان اعتماده على قدرته».
وهذا مناط دفع شبه اليهود والفلاسفة، وبه يظهر جواز تخلّف المعلول عن العلّة التامّة في الأفعال الاختياريّة، وتفصيله في المقدّمة الثانية من الحاشية الاُولى من حواشينا على عدّة الاُصول. ۱
و«لا» في قوله: «ولا غاية» وفي قوله: «ولا منتهى» مزيدة لتأكيد النفي. والغاية: النفع الحاصل للفاعل بسبب فعله.
و«منتهى» مجرور تقديرا ومنوّن، والمراد به الغاية المقصودة بالذات، ويُقال لها: غاية الغايات. ونفيه هنا بعد نفي الغاية من قبيل قوله تعالى في سورة يونس: «وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»۲ ، وفي سورة القمر: «وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ»۳ ، وفي سورة المجادلة: «وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ»۴ .
الخامسة: (انْقَطَعَتْ عَنْهُ الْغَايَةُ وَهُوَ غَايَةُ كُلِّ غَايَةٍ) . هذه لتأكيد نفي الغاية المذكورِ ۵ في الرابعة، وذلك لأنّ الأوهام العامّيّة تستبعد أن يكون فعل بلا غاية.
وقوله: «وهو غاية كلّ غاية» إشارة إلى ما في سورة التوبة من قوله تعالى: «وَرِضْوَانٌ مِنْ اللّهِ أَكْبَرُ»۶ . والمراد أنّ كلّ نفع دنيوي أو اُخروي للعباد سهل في جنب رضاه تعالى، ورضاه منتهى مراتب الغايات.

1.الحاشية الاُولى للمصنّف على عدّة الاُصول غير مطبوعة . اُنظر مقدّمة عدّة الاُصول ، ج ۱ ، ص ۴ . وهي أوسع حواشي المصنّف على العدّة .

2.يونس (۱۰) : ۶۱ .

3.القمر (۵۴) : ۵۳ .

4.المجادلة (۵۸) : ۷ .

5.في حاشية «أ»: «صفة لنفي الغاية (سمع)».

6.التوبة (۹) : ۷۲ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
132

(فَقَالَ) أمير المؤمنين عليه السلام في جوابه خمس جمل:
الاُولى: (كَانَ بِلَا كَيْنُونِيَّةٍ) . «كان» تامّة، والكينون بفتح الكاف وسكون الخاتمة ونونين بينهما واو: الكائن الحادث، أصله الكيَّنون بفتح الخاتمة وتشديدها، فيعلول من الكون، كالديموم من الدوام، بدليل أنّه لولا ذلك لقيل: كونون ودوموم، لأنّهما من الواوي، وأيضا لم يثبت في كلامهم فعلول بالفتح، واُضيف إليه هنا ياء مشدّدة للنسبة، ثمّ تاء للمصدريّة، كما في الديموميّة، وكما في الكيفوفيّة والأينونيّة. وقد مضيا في ثالث الأوّل، ۱ والمشهور في كتب اللغة «كينونة» و«ديمومة» بدون الياء المشدّدة؛ ۲ أي بلا حدوث. وهذا إشارة إلى نفي اللزوم الذي توهّمه السائل.
الثانية: (كَانَ بِلَا كَيْفَ،۳كَانَ) . «كان» في الموضعين تامّة، و«كيف» مبنيّ على الفتح. والمراد أنّ أذهان الخلائق قاصرة عن إدراك أزله بلا أزليّة العالم، كما يجيء في خامس الثاني والعشرين ۴ من قوله عليه السلام : «أزله نهي ۵ لمجاوِل الأفكار».
الثالثة: (لَمْ يَزَلْ بِلَا كَمْ۶وَبِلَا كَيْفَ۷كَانَ) ؛ «لم يزل» بفتح الزاي ناقصة خبرها الظرف. و«كم» بفتح الكاف وسكون الميم، استفهاميّة استعملت فيما يُقال في جواب الاستفهام الحقيقي، نحو: علمت أين زيد. و«كيف» مبنيّ على الفتح. و«كان» عاملُ كلٍّ مِن «كم» و«كيف». فالمراد: بلا كم كان، وبلا كيف كان.
الرابعة: (لَيْسَ لَهُ قَبْلٌ، هُوَ قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا قَبْلٍ وَلَا غَايَةٍ وَلَا مُنْتَهىً) .
«قبل» في المواضع الأربعة بفتح القاف وسكون الموحّدة، وفي الأوّل والرابع بمعنى شرط حادث يتوقّف عليه صدور أوّل الحوادث عنه.

1.أي الحديث ۳ من باب حدوث العالم وإثبات المحدث .

2.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۱۹۰ ؛ لسان العرب ، ج ۱۳ ، ص ۳۶۴ (كون) .

3.في الكافي المطبوع : «كَيْفٍ» .

4.أي الحديث ۵ من باب جوامع التوحيد .

5.في المصدر : «نهية» .

6.في الكافي المطبوع : «كَمٍّ» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 57086
صفحه از 584
پرینت  ارسال به