زمانا ، ويظهر بهذا أنّه لا حاجة في دلائل هذا الباب إلى التصريح بدلالتها على حدوث العالم .
إن قلت : لِمَ لم يجعل المسلمون مقصودهم في هذا المقام بيانَ وجود واجب الوجود حتّى يستدلّوا عليه بما اشتهر من أنّه لا شكّ في وجود موجود، فإن كان واجبا ثبت المطلوب، وإلّا استلزمه؛ لاستحالة الدور والتسلسل، ونحو ذلك من المناهج المذكورة في كتب المتكلّمين ؟ ۱ وقد قيل : إنّ هذه المناهج أخصر وأوثق وأشرف من الذي اعتبر فيه حدوث العالم، أو اعتبر فيه إمكانه بشرط الحدوث، أو اعتبر فيه الحركة ؛ انتهى . ۲ وهذا يضعّف الدلائل الآتية في هذا الباب .
قلت : لأنّ بيان وجود واجب الوجود لا يكفي في بيان الجزء الوجودي للتوحيد؛ ردّا على الدهريّة ، ۳ فإنّ استحقاق العبادة ليس لازما بيّنا لوجوب الوجود؛ لتجويز أن يكون واجب الوجود قدماء من العالم كما هو مذهب بعض الدهريّة ، ۴ أو يكون من غير العالم ولا يكون فاعلاً مثبتا ؛ أي قديرا بمعنى من يصحّ منه الفعل والترك، سواء كان موجَبا محضا أم مختارا، بمعنى إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل فقط، كما هو مذهب بعضٍ آخَرَ من الدهريّة، حيث زعموا امتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة؛ ۵ غافلين عن أنّه يستلزم عدم استحقاق المدح، فضلاً عن استحقاق العبادة له ، ثمّ فضلاً عن استحقاق عبادة كلّ من سواه له ، وزعموا أنّ حدوث العالم يستلزم تعطيل اللّه تعالى عن جوده؛ ۶ غافلين عن معنى الجواد في كلّ من إعطائه كبسط الرزق، ومنعه كالتقتير،
1.حكاه عن الحكماء التفتازاني في شرح المقاصد ، ج ۲ ، ص ۵۷ .
2.في حاشية «أ» و «ج» : ذكر مضمونه الخفري في أول حاشية إلهيات الشرح الجديد للتجريد (منه) .
3.سيأتي توضيح الدهريّة في كلام المصنّف لاحقا .
4.حكاه عنهم السيد المرتضى في الملخّص في اُصول الدين ، ص ۲۸۵ ؛ والعلّامة في مناهج اليقين ، ص ۳۴۶ ، وفي الطبعة الاُخرى ص ۲۲۲ ؛ ومعارج الفهم ، ص ۳۷۴ .
5.ذكره في معارج الفهم ، ص ۲۸۱ بعنوان إشكال مع ردّه .
6.في حاشية «أ» : الزاعم ابن سينا في إلهيّات كتاب الشفاء وأتباعه (منه) .