15
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

زمانا ، ويظهر بهذا أنّه لا حاجة في دلائل هذا الباب إلى التصريح بدلالتها على حدوث العالم .
إن قلت : لِمَ لم يجعل المسلمون مقصودهم في هذا المقام بيانَ وجود واجب الوجود حتّى يستدلّوا عليه بما اشتهر من أنّه لا شكّ في وجود موجود، فإن كان واجبا ثبت المطلوب، وإلّا استلزمه؛ لاستحالة الدور والتسلسل، ونحو ذلك من المناهج المذكورة في كتب المتكلّمين ؟ ۱ وقد قيل : إنّ هذه المناهج أخصر وأوثق وأشرف من الذي اعتبر فيه حدوث العالم، أو اعتبر فيه إمكانه بشرط الحدوث، أو اعتبر فيه الحركة ؛ انتهى . ۲ وهذا يضعّف الدلائل الآتية في هذا الباب .
قلت : لأنّ بيان وجود واجب الوجود لا يكفي في بيان الجزء الوجودي للتوحيد؛ ردّا على الدهريّة ، ۳ فإنّ استحقاق العبادة ليس لازما بيّنا لوجوب الوجود؛ لتجويز أن يكون واجب الوجود قدماء من العالم كما هو مذهب بعض الدهريّة ، ۴ أو يكون من غير العالم ولا يكون فاعلاً مثبتا ؛ أي قديرا بمعنى من يصحّ منه الفعل والترك، سواء كان موجَبا محضا أم مختارا، بمعنى إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل فقط، كما هو مذهب بعضٍ آخَرَ من الدهريّة، حيث زعموا امتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة؛ ۵ غافلين عن أنّه يستلزم عدم استحقاق المدح، فضلاً عن استحقاق العبادة له ، ثمّ فضلاً عن استحقاق عبادة كلّ من سواه له ، وزعموا أنّ حدوث العالم يستلزم تعطيل اللّه تعالى عن جوده؛ ۶ غافلين عن معنى الجواد في كلّ من إعطائه كبسط الرزق، ومنعه كالتقتير،

1.حكاه عن الحكماء التفتازاني في شرح المقاصد ، ج ۲ ، ص ۵۷ .

2.في حاشية «أ» و «ج» : ذكر مضمونه الخفري في أول حاشية إلهيات الشرح الجديد للتجريد (منه) .

3.سيأتي توضيح الدهريّة في كلام المصنّف لاحقا .

4.حكاه عنهم السيد المرتضى في الملخّص في اُصول الدين ، ص ۲۸۵ ؛ والعلّامة في مناهج اليقين ، ص ۳۴۶ ، وفي الطبعة الاُخرى ص ۲۲۲ ؛ ومعارج الفهم ، ص ۳۷۴ .

5.ذكره في معارج الفهم ، ص ۲۸۱ بعنوان إشكال مع ردّه .

6.في حاشية «أ» : الزاعم ابن سينا في إلهيّات كتاب الشفاء وأتباعه (منه) .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
14

العالم ، والمدبّريّة لا تدلّ على المصنوعيّة بالمعنى الذي ذكرتم .
قلت : لا حاجة إلى التعرّض له، فإنّهم إنّما لم يتعرّضوا له اعتمادا على بداهة أنّ ما يجب معه معلوله بالوجوب السابق لا إيجاد له أصلاً، فإنّ العقل المتخلّص من المألوفات الوهميّة يعلم أنّه كما لا يتعلّق إيجاد بالواجب الوجود بالذات، لا يتعلّق إيجاد بالواجب الوجود بالغير وجوبا سابقا بعد وجود ذلك الغير ، فمقصودهم أنّ المُدبَّريّة تدلّ على المفعوليّة، والمفعوليّة تدلّ على المصنوعيّة بالمعنى الذي ذكرنا، المساوقِ للحدوث الزماني .
ومقصودهم من الاستدلال بالمدبّريّة على المفعوليّة إبطال أن يتوهّم أنّ أجزاء العالم واجبة الوجود لذاتها، أو أن يتوهّم أنّ ترتّب أجزاء العالم على عللها كلزوم الزوجيّة للأربعة في عدم تعلّق الإيجاد بها .
ومقصودهم من الاستدلال بالمفعوليّة على المصنوعيّة بيان ما يساوق الحدوث الزماني للعالم ، ولذا قالوا: كلُّ الناس يعرفون قبل التوجّه إلى التشكيكات الموسوسة أنّ الفعل كلّه محدَث، وأنّ الفاعل قبل المفعول، وأنّ المريد قبل الإرادة، وأنّ ما لم يزل لا يكون مفعولاً حديثا وقديما في حالة واحدة . ۱
وقد نَقَل ابن بابويه ۲ دعوى بداهة جميع ذلك في كتابه في التوحيد عن الرضا عليه السلام في «باب مجلس الرضا عليه السلام مع سليمان المروزي» ۳
ويجيء في خامس باب جوامع التوحيد: «ولافتراق الصانع من المصنوع» مع شرحه .
ويظهر بذلك أنّه لو وجد في الممكنات جوهر مجرّد ـ : عقل، أو نفس ـ لكان حادثا

1.في «ج» : «وحده» .

2.في حاشية «أ» : قوله : «وقد نقل» إلى آخره ، نقل الشارح ـ قدّس سرّه ـ موضع الحاجة في أوّل الثاني عشر . وقوله قدّس سرّه : «و يجيء في خامس» إلى آخره عطف على «وقد نقل» ومراده أنّ قوله : «ولافتراق الصانع من المصنوع» مذكور في تلك الخطبة مع شرحه ودالّ على ما هو المدّعى (منه ، مهدي) .

3.التوحيد ، ص ۴۴۱ ، باب ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع سليمان المروزي متكلّم خراسان عند المأمون في التوحيد .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 81538
صفحه از 584
پرینت  ارسال به