199
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

أيضا؛ لأنّه لا يمكن إلّا فيما له مقدار. وقوله:
(عَجَزَتْ دُونَهُ الْعِبَارَةُ، وَكَلَّتْ دُونَهُ الْأَبْصَارُ، وَضَلَّ فِيهِ تَصَارِيفُ الصِّفَاتِ) ، نشرٌ على ترتيب اللفّ؛ فالاُولى ناظرة إلى عدم ضبط العقول وعدم بلوغ الأوهام؛ أي لا يبلغ التعبير مائيّته، أو ولا شخصه. والثانية ناظرة إلى عدم إدراك الأبصار. والثالثة ناظرة إلى عدم إحاطة المقدار.
والصفات جمع الصفة بالمعنى المصدري؛ أي بيانه باسم جامد محض، كما أنّ «التصاريف» جمع التصريف بمعنى التغيير. وإنّما سمّي مراتب الصفات تغييراتٍ؛ لأنّ الواصف له بمرتبة من الوصف إذا وصفه وصفا آخر، انتقل من مرتبة إلى اُخرى، فغيّر صفة، أي مرتبة من صفته إلى صفة اُخرى، أي مرتبة اُخرى فوقها.
(احْتَجَبَ) أي اختفى هذا الخفاءَ الشديد.
(بِغَيْرِ حِجَابٍ) . الحَجْب: المنع عن الدخول؛ وحجاب الملك: ما يمنع الغير عن الدخول إليه بغير إذنه، سواء كان بوّابا أو سترا، أو غير ذلك.
(مَحْجُوبٍ) ؛ صفةٌ. وفيه إشارة إلى أنّ شدّة احتجاب ملوك أهل الدنيا لا يكون إلّا بتعدّد الحُجّاب.
(وَاسْتَتَرَ بِغَيْرِ سِتْرٍ) . هو ما يسدَل على باب البيت الذي فيه الإنسان؛ لمنع الغير عن النظر إليه، أو لنحو ذلك. ۱(مَسْتُورٍ) . هذا أيضا صفة، ومعناه ظاهر ممّا مرّ.
(عُرِفَ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ) ؛ بضمّ الراء وسكون الهمزة، أي عرف ربوبيّته من غير أن يكون مرئيّا، بل بالعلامات.
(وَوُصِفَ بِغَيْرِ صُورَةٍ) . ليس الباء صلة للوصف، بل للسببيّة؛ أي لا بسبب صورة وهي بدن الإنسان ونحوه ممّا هو مجوّف؛ أي من غير أن يكون له صورة يوصف على حسبها، بل يوصف على استجماعه لصفات الكمال.

1.في حاشية «أ» : «الستر ـ بالكسر ـ : واحد الستور . والأستار ـ وبالفتح ـ مصدر قولك : سترت الشيء : إذا غطيته» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
198

(خَلَقَ) . الخلق: التقدير. والخالق في أسمائه تعالى: المخترع المبتدع؛ فهو استئناف بياني.
(مَا شَاءَ) . ناظرٌ إلى الاختراع؛ أي كلّ ما شاء. ومعناه الاستقلال بالقدرة على الخلق، وملاكه تقدّم القدرة على الخلق على وقت الخلق، كما سيجيء بيانه في ثاني «باب الاستطاعَة».
(كَيْفَ شَاءَ) . ناظرٌ إلى «الابتداع».
(مُتَوَحِّدا بِذلِكَ) أي بخلق ما شاء كيف شاء؛ يعني أنّ غيره من الخالقين لا يخلقون كلّ ما شاؤوا؛ لعدم عموم قدرتهم، ولا يخلقون ما خلقوا كيف شاؤوا؛ لأنّهم ليسوا مستقلّين بالقدرة أصلاً.
(لِاءِظْهَارِ حِكْمَتِهِ) . المقصود إظهار حكمته على الغير؛ لأن يُعلِمَها غيره.
(وَحَقِيقَةِ رُبُوبِيَّتِهِ) . عطفٌ على «حكمته». والحقيقة: ما يحقّ عليك أن تحميه. وربّ كلّ شيء: مالكه، والاسم «الربوبيّة» بالضمّ، وحقيقة ربوبيّته: أنّه خالق كلّ شيء وحاكم كلّ نزاع، فإنّه الذي يجب علينا أن نصدّق به، وندفع عنه الطعن من ربوبيّته.
(لَا تَضْبِطُهُ الْعُقُولُ) أي لا تحيط بمائيّته.
(وَلَا يَبْلُغُهُ۱الْأَوْهَامُ ) . جمع وَهْم، وهي خطرات القلوب؛ أي ليس ممّا يلمع للقلوب ثمّ يغيب عنها، كما في بعض الأشياء الدقيقة. أو المراد: لا يُدرك شخصه على الوجه الجزئي، أو الجاري مجراه، كما في تخيّل البلاد البعيدة.
(وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) أي أبصار العيون بقرينة المقابلة. ويحتمل أن يُراد الأعمّ منها ومن أبصار القلوب، فيكون تعميما بعد تخصيص.
(وَلَا يُحِيطُ بِهِ) أي لا يستوعبه.
(مِقْدَارٌ) . أكثر ما يطلق المقدار على الكمّ المتّصل؛ أي ليس محسوسا بغير البصر

1.في الكافي المطبوع : «لا تبلغه» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 59277
صفحه از 584
پرینت  ارسال به