203
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

(فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «وَيْلَهُ، 1 أَمَا عَلِمَ أَنَّ الْجِسْمَ مَحْدُودٌ مُتَنَاهٍ) . الحدّ: المنع. ومنتهى الشيء، والتناهي: البلوغ إلى منتهى؛ يعني لكلّ جسم مقدار خاصّ ليس مقداره لازما لذاته عقلاً، فهو محدود؛ أي ممنوع عن الزيادة لم يتجاوز عن حدّه. و«متناه» أي بالغ حدّه لم يتقاصر عن حدّه مع إمكان التجاوز والتقاصر فيه بالنسبة إلى ذاته.
أمّا أنّ لكلّ جسم مقدارا خاصّا، فلبراهين تناهي الأبعاد.
وأمّا أنّه ليس مقداره لازما لذاته عقلاً، فلأنّ كلّ جسم إمّا مفرد وإمّا مركّب من المفردات، والجسم المفرد إمّا مركّب من أجزاء لا تتجزّى، وإمّا متّصل واحد قابل للقسمة الوهميّة لا إلى نهاية. والأوّل باطل لأدلّة إبطال الجزء الذي لا يتجزّى، والثاني ليس مقداره لازما لذاته عقلاً؛ لأنّ نصفه الوهمي مثلاً إذا حصل في الوهم يحمل عليه تمام مهيّة الكلّ، ولا يحمل عليه مقدار الكلّ، ولا الوجود الخارجي، ولا التشخّص الخارجي.
إن قلت: عدم لزوم المقدار لا يدلّ على كلّ من المحدوديّة والتناهي بل على أحدهما.
قلت: أحدهما كافٍ في المدّعى هنا، وإنّما ارتكب الزيادة في الدعوى للإشارة إلى أنّ كلّاً منهما يستلزم الآخر؛ لتشابه المقادير في تمام المهيّة 2 ضرورةً.
(وَالصُّورَةَ مَحْدُودَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ؟) . زيادة هذا للإشارة إلى ردّ قول هشام الجواليقي أيضا.
(فَإِذَا احْتَمَلَ الْحَدَّ، احْتَمَلَ) . الفاء للتفريع، والضميران للّه تعالى.
(الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ) . احتمال الحدّ إنّما يستلزم احتمال الزيادة أوّلاً، واحتمال النقصان ثانيا، بناءً على أنّ كلّاً منهما يستلزم الآخر كما مرّ آنفاً.
والمراد بالزيادة التخلخل الحقيقي، وبالنقصان التكاثف الحقيقي، فلا يتغيّر معهما التشخّص. أو المراد بهما ما يعمّهما وما يتغيّر معه التشخّص.

1.في الكافي المطبوع : «ويحه» .

2.في «ج» : «الماهية» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
202

قائلاً بالصورة من مذهبي التشبيه، 1 وكان هشام بن الحكم يدفع مذهبه، بأنّه لو صحّ التشبيه لكان اللّه جسما، لا صورة؛ لأنّ الأشياء حينئذٍ شيئان إلى آخره، وحاصله: أنّ الجسم أبسط من الصورة، فهو أولى بالفاعليّة، وهي أولى بالمفعوليّة، وكان هشام بن سالم يعارضه ويقول: الصورة أولى بالفاعليّة حينئذٍ؛ لأنّها أشرف كما ذكر في شرح السابق.
والقرينة على هذا أشياء:
الأوّل: قوله عليه السلام : «والصورة محدودة متناهية» وذلك لأنّ هشاما لم يذهب إلى الصورة بل أبطلها.
الثاني: قول يونس: «فما أقول» فإنّه يدلّ على أنّ يونس كان قائلاً بالصورة.
الثالث: قوله عليه السلام : «كما يقولون»، فإنّ الضمير لأبي الخطّاب وأصحابه، ولو كان المقصود إبطال مذهب هشام كان بدله «كما يقول».
ويظهر بهذا أنّ قوله عليه السلام : «ويله»، إن كان بالضمير ومنادى مضافا، كان للتعجّب من مهارة هشام في الكلام، نظير قولهم: ويل اُمّه مِسعر حربٍ؛ 2 تعجّبا من الشجاعة؛ وإن كان بالتاء كان مرفوعا، على أنّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي هذا الكلام من هشام ويلة وفضيحة لمذهبكم في الصورة؛ فالاستفهام في قوله: «أما علم» إنكاري؛ واللّه أعلم.
(إِلَا أَنِّي أَخْتَصِرُ لَكَ مِنْهُ أَحْرُفا، يَزْعَمُ 3
أَنَّ اللّهَ جِسْمٌ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ شَيْئَانِ)
أي منحصرة في شيئين لا ثالث لهما.
(جِسْمٌ، وَفِعْلُ الْجِسْمِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ) . الفاء للترتيب الذكري.
(الصَّانِعُ) أي لفظ الصانع.
(بِمَعْنَى الْفِعْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ) أي الفاعل لغيره، أو للممكنات.

1.الملل والنحل ، ج ۱ ، ص ۱۷۹ (الخطابية) .

2.قال ابن الأثير في النهاية ، ج ۲ ، ص ۳۶۷: «في حديث أبي بصير: «ويل اُمّه مسعر حرب لو كان له أصحاب» يقال : سعرت النار والحرب : إذا أو قدتهما . وسعرتهما بالتشديد للمبالغة . والمسعر والمسعار : ما تحرك به النار من آلة الحديد . وانظر ج ۵ ، ص ۲۳۶ . والمراد التعجّب من شجاعته .

3.في الكافي المطبوع : «فزعم» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55491
صفحه از 584
پرینت  ارسال به