209
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

على معنيين: أحدهما: من صفات الذات. والآخر: من صفات الفعل، وهو وقوع العلم بالمعنى الأوّل على المعلوم.
وإشارة أيضا إلى ردّ ما يزعمه الفلاسفة من أنّ علمه تعالى حضوري لا يمكن إلّا بوجود المعلوم في الخارج، ومن أنّه تعالى لا يعلم الجزئيّات إلّا عند وقوعها، فأمّا قبل ذلك فإنّه لا يعلم إلّا المهيّة. ۱
وإشارة أيضا إلى ردّ ما يزعمه اليهود والفلاسفة حيث قالوا: إنّ اللّه تعالى فرغ من الأمر بل علمه واقع على معلومه أزلاً وأبدا في ظرف الدهر، قالوا: أوعية الوجود ثلاثة: السرمد، والدهر، والزمان، ۲ وإثبات البداء للّه تعالى لإبطال ذلك، كما يجيء في أحاديث «باب البداء». ۳(وَالسَّمْعُ عَلَى الْمَسْمُوعِ) . يعبّر عن وقوع السمع على المسموع بالسماع.
(وَالْبَصَرُ عَلَى الْمُبْصَرِ) . يعبّر عن هذا الوقوع بالإبصار.
(وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَقْدُورِ) .
إن قلت: تحقّق المقدور ليس محقّقا لكون القدرة قدرةً؛ فإنّها متعلّقة بالنقيضين.
قلت: ذلك بانضمام الحكمة، فإنّ الحكيم لو لم يفعل ما يقتضيه المصلحة، كان لعدم قدرته عليه.
(قَالَ: قُلْتُ: فَلَمْ يَزَلِ اللّهُ مُتَحَرِّكا؟) . الفاء للتفريع، ويمكن أن يكون هذا بطريق الاستفهام، وأن يكون بطريق الحكم.
والمراد بالحركة الانتقال من صفة إلى اُخرى. توهّم السائل أنّ العلم إذا كان أزليّا ووقوعه على المعلوم حادثا، كان اللّه منتقلاً من علمٍ إلى آخر، وهذا مبنيّ على أنّ العلم بأنّ الشيء سيوجد غير العلم بوجوده حين يوجد، ويزول الأوّل بالثاني وذلك لتغاير

1.حكاه في شرح نهج البلاغة ، ج ۷ ، ص ۲۳ عن أرسطوطاليس ؛ والإيجي في المواقف ، ج ۳ ، ص ۱۰۸ عن الفلاسفة ؛ والجرجاني في شرح المواقف ، ج ۸ ، ص ۷۴ .

2.شرح المقاصد ، ج ۱ ، ص ۱۹۱ .

3.الكافي، ج ۱، ص ۱۴۶.


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
208

ويمكن أن يكون «ربّنا» منصوبا خبر «لم يزل» فيكون راجعا إلى ما سيجيء في رابع «باب جوامع التوحيد» من قوله: «كان ربّا إذ لا مربوب». أو مرفوعا فاعل عزّ وجلّ، فيكون جزء الجملة المعترضة.
(وَالسَّمْعُ ذَاتُهُ وَلَا مَسْمُوعَ، وَالْبَصَرُ ذَاتُهُ وَلَا مُبْصَرَ، وَالْقُدْرَةُ ذَاتُهُ وَلَا مَقْدُورَ) أي هذه الصفات صفات ذاته بالمعنى الذي مضى آنفا، لو كان المراد أنّ مفهوم العلم نفس ذاته لم يكن صحيحا؛ لأنّ مفهوم العلم متصوّر لنا، وذاته غير متصوّر لنا. ولو كان المراد أنّ لمفهوم العلم فردا حقيقيّا هو نفس ذاته تعالى، لم يصحّ؛ لبراهينَ: منها: أنّ مفهوم العلم مشترك معنوي بينه وبين خلقه بحمل الاشتقاق، وليس له في خلقه فرد حقيقي موجود في نفسه في الخارج، فليس له فرد حقيقي موجود في نفسه في الخارج أصلاً؛ لأنّ العقل لا يجوّز ذلك الاختلاف في المشترك المعنوي، وإلّا لجوّز أن يكون جسم أبيضَ ببياض ليس له فرد حقيقي موجود في نفسه في الخارج.
وتفصيل ذلك في الحاشية ۱ الاُولى من حواشينا على عدّة الاُصول. ۲(فَلَمَّا أَحْدَثَ الْأَشْيَاءَ وَكَانَ) ؛ تامّة.
(الْمَعْلُومُ، وَقَعَ الْعِلْمُ مِنْهُ عَلَى الْمَعْلُومِ) .
المراد بوقوع العلم على المعلوم تجدّد نسبةٍ بين العلم والمعلوم، لولا تحقّقها لم يكن العلم علما به. وقد يعبّر عن هذا الوقوع بالعلم، وقس على هذا وقوع البصر وغيره.
ويمكن أن يُراد بالوقوع تجدّد وجود متعلّقه في الخارج على حسب ما تعلّق به.
وكأنّ هذا إشارة إلى تفسير آيات، ودفع الإشكال عنها مثل قوله تعالى: «لِنَعْلَمَ أَىُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى»۳ ، وقوله: «وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّهُ»۴ ، وقوله: «فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ»۵ بأنّ العلم يُطلق

1.في «ج» : «حاشية» .

2.الحاشية الاُولى للمصنّف على العدّة غير مطبوعة .

3.الكهف (۱۸) : ۱۲ .

4.آل عمران (۳) : ۱۴۲ .

5.الفتح (۴۸) : ۱۸ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 70588
صفحه از 584
پرینت  ارسال به