213
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

لم يتعرّض لدفع الشُّبه المشهورة إشارةً إلى أنّها واهية جدّا، إذ هي مبنيّة على قواعد الفلاسفة التي هي أوهن من بيت العنكبوت، منضمّةٌ إلى معلوم هو أنّ العلم بلا شيء محضٍ محالٌ.
ولقد ذكرنا الشّبه وأجبنا عنها في الحاشية الاُولى من حواشينا على عدّة الاُصول.
الخامس: (عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ) ؛ هو أبو الحسن الثالث عليه السلام (أَسْأَلُهُ أَنَّ مَوَالِيَكَ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلْمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَزَلِ اللّهُ عَالِما قَبْلَ فَعْلِ۱) ؛ بفتح الفاء، وسكون المهملة.
(الْأَشْيَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَقُولُ: لَمْ يَزَلِ اللّهُ عَالِما؛ لِأَنَّ مَعْنى «يَعْلَمُ» «يَفْعَلُ») . «معنى» مضاف إلى «يَعلم» و«يفعل» بصيغة المضارع الغائب. فالمراد بالمعنى ما يرجع إليه الشيء ولازمه، فالمراد بالمعنى المفهوم؛ لما علم هذا البعض أنّ العلم بلا شيء محضٍ محالٌ. وتوهُّمُ أنّ المشيّة المطلقة يساوق الوجود توهُّمُ أنّ علمه تعالى بغيره لا يمكن إلّا مع وجود ذلك الغير في نفسه، وكلّ وجود الغير بفعلهِ تعالى.
(فَإِنْ) . الفاء لبيان الدلالة، أو للتفريع على الدليل.
(أَثْبَتْنَا الْعِلْمَ) أي في الأزل (فَقَدْ أَثْبَتْنَا فِي الْأَزَلِ مَعَهُ شَيْئا) أي موجودا في نفسه بدون أن يكون فعله تعالى، إن جعل الفاء في «فإن» للبيان؛ أو بأن يكون فعلَه تعالى إن جُعِلت للتفريع.
(فَإِنْ رَأَيْتَ ـ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ ـ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِنْ ذلِكَ مَا أَقِفُ عَلَيْهِ وَلَا أَجُوزُهُ.) . جزاؤه محذوف، أي تطوّلت.
(فَكَتَبَ بِخَطِّهِ عليه السلام : لَمْ يَزَلِ اللّهُ عَالِما تَبَارَكَ وَتَعَالى ذِكْرُهُ) .
لم يتعرّض لدفع الشُّبهة إشارةً إلى قبح الخوض في أمثال ذلك؛ لقيام البرهان العقلي والنقلي على علمه تعالى بكلّ شيء، والشبهة لا تفيد الجزم أصلاً، وإنّما تفيد معارضة

1.في الكافي المطبوع: «فِعل» بكسر الفاء.


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
212

الموجودات الرابطيّة في الخارج، ولا الثابتات في الخارج المعدومة فيه، ولتفصيله محلّ آخر، ورضاه تعالى متناه، فإنّ الرِّضا إنّما يحصل بفعل المكلّف به وهو متناه.
ومناسبة الحديث بالباب باعتبار أنّه يدلّ على أنّ العلم من صفات الذات، إذ لو كان من صفات الفعل لكان متناهيا؛ إذ الحوادث الموجودة في الخارج في نفسها متناهية.
الرابع: (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ: أَنَّهُ كَتَبَ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام يَسْأَلُهُ عَنِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَ كَانَ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ أَنْ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ) .
اشتهر بين الناس شُبَهٌ في العلم التفصيلي له تعالى بكلّ شيء أزلاً وأبدا، وهي الباعثة على هذا السؤال.
(وَكَوَّنَهَا) . الخلق: التقدير، وهو أعمّ من التكوين، وكلّ منهما حادث؛ أمّا التكوين فظاهر، وأمّا الخلق فقط، فلأنّه حينئذٍ عبارة عن فعل أو ترك يعلم تعالى معه صدور فعل أو ترك عن العبد باختياره، وأنّه لولاه لم يصدر عن العبد ذلك، والترك كالفعل تابع للداعي ومصنوع، فكلّ منهما حادث كما مرّ في شرح «باب حدوث العالم». ولا ينافي هذا كونُ عدم الفعل الأزليّ غير تابع للداعي.
(أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ذلِكَ حَتّى خَلَقَهَا وَأَرَادَ خَلْقَهَا وَتَكْوِينَهَا) . يدلّ على أنّ الإرادة مع المراد، لا قبله.
(فَعَلِمَ مَا خَلَقَ عِنْدَ مَا خَلَقَ،۱وَمَا كَوَّنَ عِنْدَ مَا كَوَّنَ؟) . هذا ما ذهب إليه بعض الناس حين عجزه عن جواب الشّبه قال: علمه تعالى التفصيلي حادث شيئا فشيئا بحسب حدوث الأشياء، وهو حضوري؛ إذ حصول الصور فيه تعالى محال.
(فَوَقَّعَ بِخَطِّهِ: لَمْ يَزَلِ اللّهُ تَعَالى۲عَالِما بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْيَاءَ كَعِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ بَعْدَ مَا خَلَقَ الْأَشْيَاءَ) .

1.في «ج» : - «عند ما خلق» .

2.في الكافي المطبوع : - «تعالى» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55603
صفحه از 584
پرینت  ارسال به