223
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

و«السابق» إمّا بالموحّدة وإمّا بالهمز من ساق يسوق.
فعلى الأوّل ينبغي أن يُراد قصر علم اللّه في السابق قصرَ قلبٍ أي ليس العلم نفس المشيئة، بل هو أمرٌ سابق عليها.
وعلى الثاني ينبغي أن يُراد قصر السائق في علم اللّه ؛ أي علم العباد ليس سائقا لمشيئتهم. فهو إشارة إلى دليل آخر على أنّ العلم ليس هو المشيئة.
تقريره: أنّه لو كان كذلك، لامتنع بالذات انفكاك المشيئة عن العلم. وليس كذلك؛ لأنّ العلم الذي يدّعى أنّه المشيئة إمّا الداعي مطلقا، أو الداعي القويّ. والأوّل باطل؛ لأنّ الداعيين قد يكونان متعارضين متعلّقين بطرفي الفعل والترك من جهتين، كما في قوله تعالى: «وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا»۱ ، والمشيئة لا تتعلّق إلّا بأحدهما. والثاني قد تتخلّف عنه المشيئة في العباد، فعلمهم بالمصلحة قد لا يسوق منعه ۲ المشيئة، فتتعلّق مشيّتهم بما علموا أنّ نقيضه أحسن منه، فلا يتّحدان؛ فعلم أنّ وقوع مشيئة اللّه تعالى على طبق علمه إنّما هو لسوق علم اللّه مشيئته بدليل خارج هو حكمته وعدله، وليس لاتّحاد العلم والمشيئة.
الثالث: (أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ) أي الرضا (أَخْبِرْنِي عَنِ الْاءِرَادَةِ) أي عن فرد الإرادة ومصداقها.
وليس المراد السؤال عن نفس مفهومها، فإنّها معلومة من اللغة كما مرّ آنفا، والمراد إرادة الفعل، فإنّ إرادة الترك يسمّى كراهة أي للفعل، كما في قوله تعالى في سورة التوبة: «وَلَكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعَاثَهُمْ»۳ ، ولأنّها العمدة، ويعلم إرادة الترك بالمقايسة.
(مِنَ اللّهِ) أي الصادرة من اللّه .

1.البقرة (۲) : ۲۱۹ .

2.في «ج» : - «منعه» .

3.التوبة (۹) : ۴۶ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
222

ترى أنّك، إلى آخره. ۱
إن قلت: هذا الدليل يدلّ على أنّ بعض أفراد المشيئة ـ وهو المشيئة لفعل الغير ـ حادث والمنازع إنّما نزاعه في المشيئة لأفعال نفسه تعالى وتروكه.
قلت أوّلاً: لا يمكن حدوث مشيئة لفعل غيره إلّا بحدوث مشيئة له لفعل نفسه أو تركه، ألا ترى أنّك تقول: سأفعل كذا إن شاء اللّه ما أفضى إلى فعلي، ولا تقول: إن علم اللّه . ويجيء في رابع الباب ورابع «باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين» ما يوضحه.
وثانيا: إنّ انتفاء الفرق معلوم من استعمالات اللغة، فإنّه يتلخّص من استعمالاتها أنّها صادرة عن الشائي لداع كما مرَّ آنفا، ولذا يقولون: إنّه تعالى قادر إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، واستعمالات القرآن على طبق ذلك، كما في قوله تعالى في سورة إبراهيم: «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ»۲ .
والذي يتلخّص من استعمالات هذه اللفظة أنّ حدّها أنّها نوع تخصيص بسبب داع لأحد أمرين بينهما بدليّة بالوقوع، ۳ وهو أعمّ مفهوما من العزم والإحداث والترك، ومن الأمر والنهي، والميل والشوق والتمنّي ونحو ذلك.
ومن استعمالاتها قوله تعالى في سورة النحل: «لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ»۴ ، وقوله فيها: «وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَىْ ءٍ»۵ .
(وَعِلْمُ اللّهِ السَّابِقُ الْمَشِيئَةَ۶) ؛ بالنصب على المفعوليّة لاسم الفاعل؛ لأنّه مع اللام. ۷

1.مراده من قوله : «ألاترى أنّك إلى آخره» أي : ألاترى أنّك تقول : سأفعل كذا إن شاء اللّه ، ولا تقول : سأفعل كذا إن علم اللّه .

2.إبراهيم (۱۴): ۱۹ .

3.في حاشية «أ» : «متعلّق بتخصيص (سمع)» .

4.النحل (۱۶) : ۳۱ .

5.النحل (۱۶) : ۳۵ .

6.في الكافي المطبوع : «للمشيئة» .

7.في حاشية «أ»: «قوله: لأنّه مع اللام، إشارةٌ إلى دفع توهّم هو أنّه لايجوز النصب هنا، لأنّ اسم الفاعل هنا ماض معنى، ومثله لا يعمل النصب على الأصحّ. وحاصل الدفع أنّ عدم الجواز إنّما هو إذا كان اسم الفاعل مجرّدا عن اللام، ولما كان هنا مع اللام جاز عمله النصب على ما بيّن في محلّه؛ فتأمّل (مهدي)».

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55615
صفحه از 584
پرینت  ارسال به