و«السابق» إمّا بالموحّدة وإمّا بالهمز من ساق يسوق.
فعلى الأوّل ينبغي أن يُراد قصر علم اللّه في السابق قصرَ قلبٍ أي ليس العلم نفس المشيئة، بل هو أمرٌ سابق عليها.
وعلى الثاني ينبغي أن يُراد قصر السائق في علم اللّه ؛ أي علم العباد ليس سائقا لمشيئتهم. فهو إشارة إلى دليل آخر على أنّ العلم ليس هو المشيئة.
تقريره: أنّه لو كان كذلك، لامتنع بالذات انفكاك المشيئة عن العلم. وليس كذلك؛ لأنّ العلم الذي يدّعى أنّه المشيئة إمّا الداعي مطلقا، أو الداعي القويّ. والأوّل باطل؛ لأنّ الداعيين قد يكونان متعارضين متعلّقين بطرفي الفعل والترك من جهتين، كما في قوله تعالى: «وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا»۱ ، والمشيئة لا تتعلّق إلّا بأحدهما. والثاني قد تتخلّف عنه المشيئة في العباد، فعلمهم بالمصلحة قد لا يسوق منعه ۲ المشيئة، فتتعلّق مشيّتهم بما علموا أنّ نقيضه أحسن منه، فلا يتّحدان؛ فعلم أنّ وقوع مشيئة اللّه تعالى على طبق علمه إنّما هو لسوق علم اللّه مشيئته بدليل خارج هو حكمته وعدله، وليس لاتّحاد العلم والمشيئة.
الثالث: (أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ) أي الرضا (أَخْبِرْنِي عَنِ الْاءِرَادَةِ) أي عن فرد الإرادة ومصداقها.
وليس المراد السؤال عن نفس مفهومها، فإنّها معلومة من اللغة كما مرّ آنفا، والمراد إرادة الفعل، فإنّ إرادة الترك يسمّى كراهة أي للفعل، كما في قوله تعالى في سورة التوبة: «وَلَكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعَاثَهُمْ»۳ ، ولأنّها العمدة، ويعلم إرادة الترك بالمقايسة.
(مِنَ اللّهِ) أي الصادرة من اللّه .