23
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

ولا يجوز الإتيان بالضمير المنفصل مع إمكان الضمير المتّصل .
ويحتمل أن يكون من قبيل وضع الضمير المرفوع المنفصل موضع الضمير المنصوب المنفصل استعارةً، نظير ما يجيء في «كتاب الحجّة» في خامس الباب السابع والأربعين، وهو «باب أنّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون متى يموتون، وأنّهم لا يموتون إلّا باختيار منهم» من قول أبي الحسن الأوّل عليه السلام : «إنّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ غضب على الشيعة، فخيّرني نفسي أو هم، فوقيتهم واللّه بنفسي» .
وهذا بيان لحال الشاكّ قد يصير أحد الطرفين في نفسه راجحا، فيصير من ساعته الطرف الآخر راجحا، كقولهم : أراك تقدّم رِجلاً، وتؤخّر اُخرى . ۱(فَقَالَ الزِّنْدِيقُ : وَلَعَلَّ ذلِكَ) .لم يجزم بكونه شاكّا، بل رجّح ذلك ؛ أي لعلّ أنا في شكّ، أقام «ذلك» مقام الجملة المركّبة من الاسم والخبر .
(فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : أَيُّهَا الرَّجُلُ ، لَيْسَ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ حُجَّةٌ عَلى مَنْ يَعْلَمُ) ، أي دليل .
(وَلا حُجَّةَ لِلْجَاهِلِ ) أي للذي يحكم بغير المعلوم . والمراد أنّ قبح الحكم بغير المعلوم ضروري، والمنازع مكابر لمقتضى عقله ، فالحاكم بغير معلومه ليس له عذر يدفع به عن نفسه العذاب أو اللوم.
لمّا كان على الجاهل سؤال العالم والاستماع للجواب والتفهّم :
قال: (يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، تَفَهَّمْ عَنِّي ؛ فَإِنَّا) معشرَ المقرّين بأنّ للعالم محدثا مثبتا (لَا نَشُكُّ فِي اللّهِ أَبَدا) أي لا يزعجنا الوهم.
النوع الثالث: الاستدلال على أنّ للعالم محدثا مثبتا.
وذكر فيه خمسة أدلّة، مع أنّ الأدلّة عليه أكثر من أن تُحصى، كما يظهر لمن تدبّر في الأدلّة الخمسة؛ والنظرُ في أوّلها: في تسخير الشمس والقمر لينتفع بهما الخلائق، والنظر في ثانيها: ۲ في حدوث الحوادث كالموت والحياة ونحوهما وربط الحادث

1.اُنظر الكشّاف ، ج ۳ ، ص ۲۷۷ ؛ مختصر المعاني ، ص ۲۳۷ و ۲۴۶ ؛ تفسير البحر المحيط لأبي حيان الاُندلسي ، ج ۷ ، ص ۲۴۳ .

2.في «ج» : «ثانيهما» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
22

والأليق . والمراد به هنا التفكّر لطلب اليقين، ويكون «هناك» إشارةً إلى ما كان الزنديق فيه من وجه الأرض، ومنصوبا محلّاً على الظرفيّة .
(فَتَعْرِفَ) ؛ منصوب بتقدير «أن» بعد النفي .
(مَا خَلْفَهُنَّ) أي ما خلف المشرق والمغرب، والأرض والسماء . والتأنيث لتغليب الأرض والسماء، أو باعتبار البقعة . و«ما خلفهّن» نوع تعبير عن صفات صانع العالم، كالعلم والقدرة والعدل . والمقصود أنّك لو تحرّيت في وجه الأرض، لعرفت صفات صانع العالم، فضلاً عن معرفة كونه .
(وَأَنْتَ جَاحِدٌ بِمَا فِيهِنَّ!) .نوع تعبير عن إنكار كون صانع العالم .
(وَهَلْ يَجْحَدُ الْعَاقِلُ) جحدا يتصدّى للحجاج عليه كما أنت عليه؛ حيث جئت من بلدٍ بعيد للحجاج معنا .
(مَا لَا يَعْرِفُ ؟) أي لا يعرفه ويعتقد خلافه بمجرّد الظنّ الحاصل من أصالة العدم، بدون دلالة ولا أمارة على العدم على حِدة .
(قَالَ الزِّنْدِيقُ : مَا كَلَّمَنِي بِهذَا أَحَدٌ غَيْرُكَ) .إقرارٌ منه بأنّه لا ينبغي له الجحد، وأنّه لو كلّمه بهذا أحد لما جَحَد .
(فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : فَأَنْتَ مِنْ ذلِكَ فِي شَكٍّ) أي فأنت الآنَ صرت في شكّ . والمراد بالشكّ كفّ النفس عن الحكم بشيء لانتفاء اليقين فيه .
(فَلَعَلَّهُ هُوَ) .الضمير الأوّل راجع إلى «ما فيهنّ» باعتبار المنظور ، والثاني من أسماء الصانع للعالم تعالى .
(وَلَعَلَّهُ لَيْسَ هُوَ ) . الضمير الأوّل ل«ما فيهنّ »، والضمير الثاني وهو المستتر في «ليس» للضمير الأوّل ، والضمير الثالث من أسماء الصانع للعالم تعالى ، فهو كالظاهر، فلذا ۱
لم يقل بدله: «إيّاه» نظير : «يا مَن ليس هو إلّا هو» ۲ مع أنّ «هو» في الأوّل اسم «ليس»

1.في «ج» : «ولذا» .

2.مكارم الأخلاق ، ص ۳۴۶ ؛ الأمان من أخطار الأسفار ، ص ۸۳ ؛ بحار الأنوار ، ج ۹۲ ، ص ۱۵۸ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 72270
صفحه از 584
پرینت  ارسال به