25
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

(قَدِ اضْطُرَّا) ؛ بضمّ المهملة وشدّ الراء؛ أي سُخّرا لمنافعنا .
(لَيْسَ لَهُمَا مَكَانٌ إِلَا مَكَانُهُمَا) ؛ مرفوع بالبدليّة، أو منصوب بالاستثناء . والمراد: مكانهما المعلوم بالرصد والحساب في أيّ وقت كان. وذلك يدلّ على كمال حكمة مدبّرهما وكمال قدرته .
أو المراد بمكانهما ما هما فيه، سواء كان معلوما بخصوصه في أيّ وقت اُريد، أم لا . وحينئذٍ يكون إشارة إلى أنّ فاعل الجسم يستحيل أن لا يكون مدبّرا؛ لأنّ الإمكان شرط تحقّق الجسم، ويستحيل أن يكون جسم واحد في زمان واحد في كلّ واحد من الأمكنة ، فحصول جسم ما في مكان معيّن مع تشابه الأمكنة في الحقيقة والذات يستحيل أن يستند إلى فاعل موجَب، سواء كان طبعا أم غير ذلك . وبهذا يتمّ البرهان، وضمّ باقي المقدّمات للاستظهار وبيان كمال حكمة الصانع تبارك وتعالى .
(فَإِنْ كَانَا يَقْدِرَانِ عَلى أَنْ يَذْهَبَا ، فَلِمَ يَرْجِعَانِ) . الفاء للبيان وزيادة التوضيح . والمراد بالذهاب: الولوج. والاستفهام إنكاري، أي فإن كان الولوج بقدرتهما واختيارهما لداع دعاهما إلى ذلك، استحال أن يرجعا إلى فوق الأرض؛ لأنّا نعلم أنّه ليس لهما نفع يدعوهما إلى دوام دورانهما، فهما مسخّران لغيرهما، وتجويز النفع لهما في ذلك كتجويز النفع للأنهار في جريانها، وللرياح في هبوبها. وهذا سفسطة .
(وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُضْطَرَّيْنِ ، فَلِمَ لَا يَصِيرُ اللَّيْلُ نَهَارا ، وَالنَّهَارُ لَيْلاً) . الاستفهام إنكاري ، وقوله: «والنهار» بتقدير «ولا النهار »؛ أي إن كانا غير مسخّرين، وجب أن تقف الشمس مثلاً إمّا فوق الأرض، فيصير النهار سرمدا، وإمّا تحت الأرض، فيصير الليل سرمدا ، ويجوز أن لا يقدّر «لا» ويكون المراد صيرورة الليل نهارا في موضع دائما، وصيرورة النهار ليلاً في مقابله دائما .
(اضْطُرَّا ـ وَاللّهِ يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ـ إِلى دَوَامِهِمَا ، وَالَّذِي اضْطَرَّهُمَا أَحْكَمُ مِنْهُمَا) أي أكمل حكمةً ورعايةً لمصالح العباد ، أو أنفذُ حكما. وإثبات أصل الحكمة أو الحكم لهما بنوع من المجاز، نظير إثبات الطوع للسماء والأرض في قوله في سورة حم


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
24

بالقديم، والنظر في ثالثها: في اختلاف أمكنة الأجسام، والنظر في رابعها: في إنشاء السحاب الثقال، والنظر في خامسها: في انكشاف وجه الأرض المعمور وخروجه من الماء .

الدليل الأوّل :

(أَمَا تَرَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ؛ من رؤية البصر، أو القلب ، وعلى الثاني «يلجان» مفعول ثان .
(وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) . الواو الاُولى بمعنى «مع» والثانية للعطف . والمراد أنّ كلّ من رأى حال الشمس والقمر في دورانهما مع حال الليل والنهار في ذهابهما ومجيئهما، علم أنّ ذلك بتدبير مدبّر بقول «كُن» لمصلحة أهل الأرض، وليس للشمس والقمر نفع في الدوران، ولا لليل والنهار في الذهاب والمجيء، كما في سورة إبراهيم : «وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»۱ .
(يَلِجَانِ) ؛ بالجيم بصيغة المعلوم المعتلّ الفاء من باب ضرب، والضمير للشمس والقمر ، والجملة استئناف بياني، أو مفعول ثان ل«ترى ». والولوج: الدخول والاستتار، ومنه: الوَلَجة بفتحتين كهف ۲ تستر فيه المارّة من مطر وغيره ، ۳ والمراد هنا الدخول تحت الأرض .
(فَلَا يَشْتَبِهَانِ) ؛ بالمعجمة والموحّدة بصيغة المعلوم من باب الافتعال ، يُقال : اشتبه الأمر: إذا أشكل. والفاء للتعقيب؛ يعني لا يحدث بعد الولوج في أمرهما إشكال باعتبار مكانهما ومدّة بقائهما تحت الأرض وساعاتها ودقائقها في أيّ وقت كان، كما هو معلوم عند أهل الرصد والحساب .
(وَيَرْجِعَانِ) إلى فوق الأرض .

1.إبراهيم (۱۴) : ۳۳ .

2.في «ج» : «لكهف» .

3.تاج العروس ، ج ۳ ، ص ۵۰۹ (ولج) .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 72248
صفحه از 584
پرینت  ارسال به