29
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

الباقية بإحداث الحادث فيه دون الباقية، سواء قرب المعلول من العلّة أم بعُدَ؛ لأنّ المفروض أنّهما ليسا بأمرين متخالفين في التشخّص فضلاً عن الماهيّة ، بل هما أمران اعتباريان ، ألا ترى أنّ مغناطيس مثلاً يمتنع أن يجذب طبعه حديدا دون حديد بمجرّد أنّ الأوّل ملك زيد، والثاني ملك عمرو، بخلاف ما إذا كان مختارا .
إن قلت : الحركة في الكيف ممكن وواقع، فللمتحرّك فيه في كلّ آن من زمان حركته كيفيّة مخالفة لما في الآنات السابقة واللاحقة، إمّا في الماهيّة بناءً على أنّها مختلفة بالشدّة والضعف، وقد تقرّر أنّ الأشدّ نوع مباين للأضعف ، وإمّا في التشخّص فقط، وإمّا في العارض الخارجي فقط .
قلت : لا نسلّم إمكان الحركة في نحو الكيف ممّا له وجودان في الخارج: وجود في نفسه، ووجود رابطي ، بل الانتقال فيه دفعي كالانتقال من البياض إلى السواد، ومنشأ الاشتباه قِصر زمان كلّ كيفيّة من الكيفيّات المتواردة ، والدليل عليه أنّه لولاه لزم انحصار ما لا يتناهى من الاُمور الموجودة في أنفسها بين حاصرين، أو كون المتحرِّك في الحرارة ـ مثلاًـ خاليا عن الحرارة بالكلّيّة، وكلاهما خلاف البديهة، فلا حركة في العوارض الخارجيّة إلّا فيما لا وجود له في الخارج إلّا الوجود الرابطي كالأين والوضع والمحاذاة والكمّ والزمان والقُرب والبُعد ونحو ذلك، فإنّ انحصار ما لا يتناهى منه بين حاصرين ليس بديهيَّ الاستحالة؛ نظير اجتماع العلوم الغير المتناهية والقُدر الغير المتناهية في اللّه تعالى؛ إذ لا حاجة للاُمور التي ليس لها في الخارج إلّا الوجود الرابطي إلى فاعل وإيجاد وإلّا لزم أن يتعلّق بالإيجاد نفسه إيجاد آخر، ولا ينافي هذا أن يكون الحركة في بعض تلك الاُمور موجودةً في نفسها في الخارج بأن يكون للحركة في الأين ـ مثلاًـ وجودان في الخارج: وجود في نفسه، ووجود رابطي .
(الْقَوْمُ مُضْطَرُّونَ) . المراد بالقوم الزنادقة ، والمقصود إمّا أنّه لا مندوحة ۱ لهم عن

1.في حاشية «أ» : الندح ـ ويضمّ ـ : الكثرة والسعة ، كالنّدحة والنُدحة والمندوحة . وانظر القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۲۵۲ (ندح) .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
28

(لِمَ لَا يَرُدُّهُمْ؟) لِمَ لا يقع الردّ وقت الذهاب بهم بدلاً عنه ، وذلك بأن يكون الذهاب بهم قبل هذا الوقت الذي ذهب بهم فيه .
(وَإِنْ كَانَ يَرُدُّهُمْ ، لِمَ لَا يَذْهَبُ بِهِمْ) أي لِمَ لا يقع الذهاب بهم وقت ردّهم بدلاً عنه، وذلك بأن يكون الذهاب بهم بعد هذا الوقت الذي ذهب بهم فيه، وتخصيص ذهابهم وردّهم بالذكر في المثال لأنّهما المذكوران في آية الجاثية صريحا .
وحاصل الدليل: أنّ من أجزاء العالم حوادث معلومة الحدوث بالحسّ والعيان يوما فيوما، ولا فاعل لها إلّا اللّه تعالى بلا توسّط توقّف على حركة واستعداد ونحو ذلك ؛ لأنّ الحوادث لابدّ أن يكون فاعلها مختارا . أمّا أفعال الأحياء ذوي الأبدان كالمَلك والجنّ والإنس وسائر الحيوانات فمستندة إليهم ، وأمّا ما عداها ـ وهي المعدودة من العالم كالموت والحياة، وكحدوث النبات في الأرض بعد موتها وفلق الحبّ والنوى ونحو ذلك ممّا يسنده الدهريّة إلى الدهر ـ ففاعلها مدبّر للعالم نافذ الإرادة بلا علاج؛ فيكون العالم حادثا كما مرّ في شرح عنوان الباب.
ولا يمكن استنادها إلى الدهر، وإلّا امتنع وجود حادث، وكذا انتفاؤه، ولم يرتبط حادث بقديم أصلاً ؛ لأنّه ليس للامتداد الزماني أجزاء متخالفة الماهيّة، وكذا حركة الأفلاك في الوضع ونحو ذلك.
مثلاً المادّة المتحرّكة في يومٍ أو شهر أو سنة في استعداد لحادث عند الدهريّة لا يحصل لها في أواخر زمان حركتها إلّا ما يشارك ما كان حاصلاً لها في أوائله في تمام الماهيّة وفي التشخّص؛ فإنّ كلّ حركة متّصلةٍ قابلةٌ للقسمة إلى غير النهاية ، فلو تغيّرت المادّة، أو حدث حادث آخر في كلّ حدّ، لزم انحصار ما لا يتناهى بين حاصرين وتغيّرُها، أو حدوث حادث آخر في بعض الحدود في الوسط والطرف دون باقيها يثبت المطلوب ، فإنّا نقول: بين كلّ حدّين تغيّرت المادّة فيهما، أو حدث حادث آخر فيهما حدود غير متناهية لم يتغيّر المادّة فيها، ولم يحدث حادث آخر فيها، والفاعل إذا لم يكن مختارا مدبّرا، امتنع أن يخصّص بعض الأجزاء المتشابهة في تمام الماهيّة عن

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 72217
صفحه از 584
پرینت  ارسال به