الإقرار بمدبّر للعالم، محدثٍ لهذه الحوادث، مثبتٍ لكلّ حادث منها في وقته دون سابقه ولاحقه؛ فإنكارهم وجحدهم مع إقرار قلبهم به . وإمّا أنّهم معذّبون في الآخرة، كقوله تعالى في سورة لقمان : «ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ»۱ . وإمّا إشارة إلى حلّ شبهتهم التي نقلناها، فإنّ قولهم: «فلم يجز أن يحدث كائن البتّة» ۲ مبنيّ على امتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، وهو ممنوع بل باطل ؛ لأنّه يستلزم أن يكون المختارون مضطرّين في فعلهم، فيلتزموا أنّهم أنفسهم مضطرّون، وهو مكابَرة.
ويحتمل أن يُراد بالقوم المسلمون، أي لا مندوحة لهم عن الإقرار .
الدليل الثالث :
(يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، لِمَ السَّمَاءُ مَرْفُوعَةٌ ، وَالْأَرْضُ مَوْضُوعَةٌ) . ذكر السماء والأرض على سبيل المثال . أو المراد بالسماء ما فوق الأرض، فيشمل الهواء والماء وما فيهما ؛ يعني أنّ اختصاص كلّ جسم بمكان معيّن شخصا كما في الأرض، أو نوعا كما في الكواكب المتحرّكة في مسير خاصّ دون مسير آخر، وإلى جهة خاصّة دون اُخرى لا يمكن إلّا بأنّ مدبّرا خلقه في ذلك المكان دون باقي الأمكنة، لأنّ الأمكنة متشابهة في تمام الماهيّة؛ لاتّصال الفضاء الموهوم وعدم امتياز بعضه عن بعض إلّا بالتمكّن ، ولا يمكن أن يميّز غير المختار بعض المكان عن بعض لكون الجسم فيه دون غيره . أمّا إذا كان غير المختار نفس الجسم، أو جزءه، أو عارضه الشريكين له في المكان فظاهر؛ لبداهة افتراق الحادّ من المحدود، مع ما ذكرنا من تشابه الأمكنة في تمام الماهيّة ، وأمّا إذا كان خارجا، فلتشابه الأمكنة فقط .
إن قلت : يمكن أن يكون بعض الأمكنة دون بعض لازما عقليّا لجسم دون جسم، فلا يحتاج كونه فيه إلى جعل جاعل ، كما أنّ للعلم والقدرة والسمع والبصر والحياة ونحوها من صفات الذات أفرادا متشابهة في تمام الماهيّة، وجملة من أفرادها لوازم