31
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

عقليّة لواجب الوجود لا يحتاج اتّصافه بها إلى جعل جاعل عندكم، وجملة اُخرى من أفرادها للممكنات .
قلت : اللازم العقلي لشيء ليس له أفراد حقيقيّة ؛ أي مختلفة في نفسها ، أي مع قطع النظر عن اختلاف موصوفها أو متعلّقها، إنّما له الحصص التي لا اختلاف بينها، إلّا اختلاف موصوفها أو متعلّقها ؛ فكلّ من اتّصف بحصّة منها على سبيل اللزوم العقلي، أو بتأثير مؤثّر موجب يجب أن يكون متّصفا بكلّ واحدٍ من الحصص المختلفة باختلاف المتعلّق فقط ، ولا يمكن أن يتبدّل فيه حصّة منها بحصّة اُخرى ، ولذا يجب أن يكون الواجب الوجود تعالى متّصفا بالعلم بكلّ شيء، وبالقدرة على كلّ شيء، وبسماع كلّ صوت، وبإبصار كلّ مبصر، بخلاف الممكن، والمكانُ ليس كذلك ؛ لأنّه يمكن أن يتبدّل مكان جسم مع كون المتمكّن واحدا في الحالتين، فلو لم يكن اختلاف المكانين إلّا باختلاف الموصوف أو المتعلّق، كاختلاف علمنا وعلم اللّه تعالى، وكاختلاف علم اللّه تعالى بوجود زيد وعلمه بوجود عمرو، لم يكن هذا التبدّل في المكان .
إن قلت : المكان بمعنى البُعد كالامتداد الزماني ؛ أي لا وجود له في الأعيان؛ لأنّه ليس جوهرا ولا عرضا، إنّما له فيها الثبوت النظير للوجود الذهني عند القائلين به، فلا نسلّم أنّه يتبدّل حقيقةً مكان جسم مع كون المتمكّن واحدا، فيجوز أن يكون الاختصاص بالمكان بتبعيّة الاختصاص بوضع معيّن شخصا أو نوعا بالنسبة إلى الأجسام الاُخرى ، ولهذا لا يتصوّر حركة الجسم المحيط بجميع ما عداه من الأجسام في الأين، ولا يتصوّر خلاء إلّا في داخل الأجسام ، ويقال: أين زيد من عمرو ، والأوضاع مختلفة الحقائق، فيجوز أن يكون بعضها لازما عقليّا، أو مقتضى طبيعة لجسم دون بعض آخر، ودون الأجسام الاُخرى .
قلت : لا يجوز أن يكون الوضع لازما عقليّا؛ لما ذكرنا في المكان من جواز تبدّل أفراده مع بقاء الجسم بعينه .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
30

الإقرار بمدبّر للعالم، محدثٍ لهذه الحوادث، مثبتٍ لكلّ حادث منها في وقته دون سابقه ولاحقه؛ فإنكارهم وجحدهم مع إقرار قلبهم به . وإمّا أنّهم معذّبون في الآخرة، كقوله تعالى في سورة لقمان : «ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ»۱ . وإمّا إشارة إلى حلّ شبهتهم التي نقلناها، فإنّ قولهم: «فلم يجز أن يحدث كائن البتّة» ۲ مبنيّ على امتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، وهو ممنوع بل باطل ؛ لأنّه يستلزم أن يكون المختارون مضطرّين في فعلهم، فيلتزموا أنّهم أنفسهم مضطرّون، وهو مكابَرة.
ويحتمل أن يُراد بالقوم المسلمون، أي لا مندوحة لهم عن الإقرار .

الدليل الثالث :

(يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، لِمَ السَّمَاءُ مَرْفُوعَةٌ ، وَالْأَرْضُ مَوْضُوعَةٌ) . ذكر السماء والأرض على سبيل المثال . أو المراد بالسماء ما فوق الأرض، فيشمل الهواء والماء وما فيهما ؛ يعني أنّ اختصاص كلّ جسم بمكان معيّن شخصا كما في الأرض، أو نوعا كما في الكواكب المتحرّكة في مسير خاصّ دون مسير آخر، وإلى جهة خاصّة دون اُخرى لا يمكن إلّا بأنّ مدبّرا خلقه في ذلك المكان دون باقي الأمكنة، لأنّ الأمكنة متشابهة في تمام الماهيّة؛ لاتّصال الفضاء الموهوم وعدم امتياز بعضه عن بعض إلّا بالتمكّن ، ولا يمكن أن يميّز غير المختار بعض المكان عن بعض لكون الجسم فيه دون غيره . أمّا إذا كان غير المختار نفس الجسم، أو جزءه، أو عارضه الشريكين له في المكان فظاهر؛ لبداهة افتراق الحادّ من المحدود، مع ما ذكرنا من تشابه الأمكنة في تمام الماهيّة ، وأمّا إذا كان خارجا، فلتشابه الأمكنة فقط .
إن قلت : يمكن أن يكون بعض الأمكنة دون بعض لازما عقليّا لجسم دون جسم، فلا يحتاج كونه فيه إلى جعل جاعل ، كما أنّ للعلم والقدرة والسمع والبصر والحياة ونحوها من صفات الذات أفرادا متشابهة في تمام الماهيّة، وجملة من أفرادها لوازم

1.لقمان (۳۱) : ۲۴ .

2.تقدم في كلام ابن سينا .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 72191
صفحه از 584
پرینت  ارسال به