ثمّ إنّ الوضع من قبيل النسبة، وهي فرع المنتسبين، فلا يكفي في تحقّقه بعض الأجسام، ومجموعها من حيث المجموع لا يمكن أن يجعل لنفسه الوضع بمعنى نسبة بعض أجزائه إلى بعض، لا بنفسه ولا بجزئه ولا بعارضه ؛ لأنّ للجزء والعارض أيضا وضعا، وافتراق الحادّ من المحدود والمؤلّف من المؤلّف بديهيّ .
إن قلت : اختصاص الجسم المحيط بما عداه بمكانه بسبب مقداره اللازم له عقلاً؛ فإنّه لا يسعه مكان آخر، فهكذا إلى الأرض .
قلت : ليس مقدار جسم ولا تشخّصه ولا وجوده لازما عقليّا لذاته؛ لتشابه المقادير في تمام الحقيقة بديهةً ، ويجيء تفصيله في سادس «باب النهي عن الجسم والصورة ».
الدليل الرابع :
(لِمَ لَا تَسْقُطُ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ؟) . المراد بالسماء السحاب ، ويحتمل أن يُراد ما يشمل الأفلاك ، وحاصله: أنّا نرى كلّاً من الماء والبَرَد والثلج ونحو ذلك ـ إذا لم يكن تحته جسم يكون عمودا له ومانعا من حركته ـ يتحرّك إلى سفلٍ، إمّا صريحٍ كما في الساقط، أو غير صريح كما في الجاري على وجه الأرض ، وإذا كان تحته جسم مانع، يحسّ منه مدافعة وميل إلى السفل، ونرى السحاب الثقال تسخّر في الجوّ بغير عمد نراها، سواء كان بمحض القدرة كما في السحاب الساكن، أم بالريح كما في المتحرّك، فإنّ الريح هواء متحرِّك غير مرئيّ، وليس حدوث الريح بنحو طبع الأجسام.
وما يُقال من أنّ سببه نحو التخلخل أو التكاثف ممّا يُضحك الثكلى، فاللّه تعالى هو الذي يُنشئ السحاب الثقال، كما في سورة الرعد 1 «وَ يُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَا