منه ؟ وإن كان مركز الأرض غير مركز العالم، فلِمَ لا تنحطّ الأرض بحيث ينطبق مركزها على مركز العالم ؟ أي يظهر بذلك أنّ إمساك الماء أو الأرض ليس بفاعل موجب كطبع الماء والأرض ، بل بتدبير مدبّر العالم لتعيش مخلوقاته من الإنسان وسائر الحيوانات ، وقد أجرى عادته فيما أجرى لمصلحة وخرقها في غيره لمصلحة اُخرى ، وليعلم أنّه ربّ كلّ شيءٍ وخالقه.
ولم يقدر الزنادقة الطبيعيّون على تمجمج في دفع هذه الشناعة عن أنفسهم والحمد للّه ، فإنّهم إن قالوا: بعض الأرض أثقل من بعض بكثير، فمركز ثقل الأرض ليس في وسط حجمها، فانكشف بعضها ليبسها كالجزائر في البحر .
قلنا : من خفّف بعضها وثقّل بعضها ؟
وإن قالوا : الأرض كرتان إحداهما مصمتة، والاُخرى على وجه الاُولى كالمتمّم الحاوي والعناصر خمس .
قلنا : من رقّق بعض المتمّم، وغلّظ الباقي ، مع أنّ الطبع واحد ؟
(فَلَا يَتَمَاسَكَانِ ، وَلَا يَتَمَاسَكُ مَنْ عَلَيْهَا ؟) . الفاء للبيان، ولذا كان مدخولها مرفوعا، مثل : ألم تسأل الربع القواء فينطق . ۱ والربع بالفتح: الدار، والقواء ـ بكسر القاف والمدّ ـ : الأرض الخالية عن أهلها .
والتماسك: التمالك . قال الجوهري : ما تماسك أن قال ذلك، أي ما تمالك. ۲ يعني يبيّن ما ذكر من الأدلّة أنّ السماء والأرض لا يحفظان نفسيهما عن الزوال عن مكانيهما، ويحتاجان إلى مُمسك ، وأهل الأرض لا يحفظون أنفسهم عن الزوال عن أمكنتهم، ولذا يسقطون عن السطح، ويتردّون في البئر ، فكيف يمكن أن يكون أحد منهم