375
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

تعالى مع استجماعه لعلّته التامّة يستلزم تعطيل اللّه عن جوده قبل وجود العالم، ونسبته تعالى إلى إمساك بعده أيضا. ۱
يُقال: حجبه كنصر عن فعل أو ترك حجبا بالفتح وحجابا بالكسر: إذا منعه من صدور ذلك الفعل أو الترك عنه. وحجّبه تحجيبا للمبالغة. وحجبه أيضا بالتخفيف والتشديد: إذا ستره. والحُجُب بضمّتين جمع الحجاب بالكسر: المانع، سمّي بالمصدر.
ويحتمل كون هذه الفقرة متعلّقة بالسابق؛ أي لا تستره عن المشاعر الستور الجسمانيّة، فيكون ابتداء الردّ على الفلاسفة من قوله: و«الحجاب» إلى آخره.
والخلق قد يُطلق بمعنى المخلوق وهو المراد في قوله: «وبين خلقه». وقد يُطلق بمعنى المصدر، أي التدبير والتقدير، وهو المراد في قوله: «خلقه إيّاهم». والضمير المنصوب للخلق بمعنى المخلوق باعتبار اشتماله على العقلاء؛ يعني ليس تأخّر صدور الحوادث عنه تعالى لمنع الموانع وعدم تكامل الشروط العقليّة والمعدّات، بل هو مستقلّ بالقدرة على كلّ حادث في كلّ وقت من الأوقات السابقة على وجود ذلك الحادث، إنّما المانع له من صدور ذلك الحادث عنه مانع علمي لا عقلي، وهو التدبير ورعاية المصالح على حسب ما اقتضته الحكمة في كلّ فعل وترك.
وهنا احتمالان: الأوّل: كون «يحجبه» من باب نصر والنفي؛ لكون المراد المنعَ العقليَّ، ويكون قوله: «والحجاب» إلى آخره مشتملاً على مجاز في النسبة أو في لفظ الحجاب.
ويؤيّد هذا قوله في رابع الباب: «لا حجاب بينه وبين خلقه». أو المراد أعمّ من العلمي والعقلي ويكون قوله: «والحجاب» بمنزلة الاستثناء، أو يكون النفي لتعدّد الحجب.
الثانى¨: يكون «يحجبه» من باب التفعيل والنفي للمبالغة، أو لما مرّ في الاحتمال الأوّل.
إن قلت: الخلق من صفات الفعل، فلا يكون حجابا.

1.اُنظر شرح الإشارات ، ج ۳ ، ص ۱۳۱ ؛ تهافت الفلاسفة ، ص ۵۰ ؛ المطالب العالية في العلم الإلهي ، ج ۴ ، ص ۱۴۶ ؛ شرح الاُصول الخمسة ، ص ۱۱۵ ؛ شرح المقاصد ، ج ۳ ، ص ۱۲۰ ؛ شرح المواقف ، ج ۷ ، ص ۲۲۹ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
374

والأوهام: خطرات القلوب. والإحاطة: العلم التامّ؛ يعني أنّ الإحاطة بكنه ذاته، أو بقدر عظمته، أو بتفصيل كمالاته لا يتأتّى من غيره تعالى؛ إنّما يتأتّى منه، كما في قوله تعالى في سورة طه: «وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما»۱ ، وفي سورة المصابيح: «أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ» . ۲(لَا أَمَدَ لِكَوْنِهِ، وَلَا غَايَةَ لِبَقَائِهِ) . الأمد بفتحتين: المدّة المتناهية وما ينتهى إليه المدّة، وكذا الغاية. والمراد بالأمد هنا المدّة المتناهية باعتبار المبدأ أو مبدؤها، والمراد بالغاية هنا المدّة المتناهية باعتبار الآخر أو آخرها.
وهذا ردّ على متكلّمين تبعوا الفلاسفة في أنّ المدّة إنّما هي مقدار حركة الفلك، فقالوا بعد الإقرار بحدوث العالم زمانا: إنّه اختصّ الحدوث بوقته؛ إذ لا وقت قبله؛ ۳ يعنون أن لا امتداد أصلاً قبل وجود العالم، فليس له تعالى قبله استمرار وبقاء حقيقة.
وزعمهم هذا مبنيّ على عدم فهمهم معنى عدم كونه تعالى زمانيّا، إنّما معناه عدم التغيّر في ذاته وصفات ذاته، فإنّ الامتداد والمدّة إنّما يسمّى لغةً زمانا أو وقتا باعتبار كونه ظرفا للمتغيّرات.
(لَا تَشْمُلُهُ الْمَشَاعِرُ) . ردٌّ على الأشاعرة في الرؤية، يُقال: شمله كعلم ونصر: إذا أحاط به.
وتفسير المشاعر مضى في رابع الباب يعني «لا يحسّ».
(وَلَا تَحْجُبُهُ الْحُجُبُ، وَالْحِجَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ خَلْقُهُ إِيَّاهُمْ) . ردٌّ على الفلاسفة حيث قالوا: الممكن ما لم يجب بوجوبٍ سابق لم يوجد، وما لم يمتنع بامتناعٍ سابق لم يترك؛ لاستحالة تخلّف المعلول عن العلّة التامّة، فقالوا بقِدم العالم، وأنّ بين اللّه وبين كلّ حادث موانعَ عقليّةً غير متناهية هي أعدام الشروط والمعدّات التي هي من أجزاء علّته التامّة، وما لم يحصل تلك الشروط والمعدّات بالحركة لم يتكامل علّته التامّة، فلم يقدر اللّه تعالى عليه حينئذٍ، وقالوا: إنّ القول بحدوث العالم، وبجواز تخلّف مخلوق اللّه عنه

1.طه (۲۰) : ۱۱۰ .

2.فصّلت (۴۱) : ۵۴ .

3.مباحث الحدوث مفصّلة في معارج الفهم للعلّامة، ص ۱۲۳ ومابعدها. وانظر المواقف، ج ۱، ص ۳۴۱.

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 71533
صفحه از 584
پرینت  ارسال به