تعالى مع استجماعه لعلّته التامّة يستلزم تعطيل اللّه عن جوده قبل وجود العالم، ونسبته تعالى إلى إمساك بعده أيضا. ۱
يُقال: حجبه كنصر عن فعل أو ترك حجبا بالفتح وحجابا بالكسر: إذا منعه من صدور ذلك الفعل أو الترك عنه. وحجّبه تحجيبا للمبالغة. وحجبه أيضا بالتخفيف والتشديد: إذا ستره. والحُجُب بضمّتين جمع الحجاب بالكسر: المانع، سمّي بالمصدر.
ويحتمل كون هذه الفقرة متعلّقة بالسابق؛ أي لا تستره عن المشاعر الستور الجسمانيّة، فيكون ابتداء الردّ على الفلاسفة من قوله: و«الحجاب» إلى آخره.
والخلق قد يُطلق بمعنى المخلوق وهو المراد في قوله: «وبين خلقه». وقد يُطلق بمعنى المصدر، أي التدبير والتقدير، وهو المراد في قوله: «خلقه إيّاهم». والضمير المنصوب للخلق بمعنى المخلوق باعتبار اشتماله على العقلاء؛ يعني ليس تأخّر صدور الحوادث عنه تعالى لمنع الموانع وعدم تكامل الشروط العقليّة والمعدّات، بل هو مستقلّ بالقدرة على كلّ حادث في كلّ وقت من الأوقات السابقة على وجود ذلك الحادث، إنّما المانع له من صدور ذلك الحادث عنه مانع علمي لا عقلي، وهو التدبير ورعاية المصالح على حسب ما اقتضته الحكمة في كلّ فعل وترك.
وهنا احتمالان: الأوّل: كون «يحجبه» من باب نصر والنفي؛ لكون المراد المنعَ العقليَّ، ويكون قوله: «والحجاب» إلى آخره مشتملاً على مجاز في النسبة أو في لفظ الحجاب.
ويؤيّد هذا قوله في رابع الباب: «لا حجاب بينه وبين خلقه». أو المراد أعمّ من العلمي والعقلي ويكون قوله: «والحجاب» بمنزلة الاستثناء، أو يكون النفي لتعدّد الحجب.
الثانى¨: يكون «يحجبه» من باب التفعيل والنفي للمبالغة، أو لما مرّ في الاحتمال الأوّل.
إن قلت: الخلق من صفات الفعل، فلا يكون حجابا.