385
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

والقضيّة الثانية مضمون قوله في هذا الحديث: «ومن حدّه فقد عدّه، ومن عدّه فقد أبطل أزله». وكرّر مضمون القضيّتين بقوله: «ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود»؛ فهذه الفقرات الثلاث إشارة إلى ردّ مذهب الأشاعرة. ۱
وأمّا قوله: «ولا نعتٌ موجود» فإشارة إلى ردّ مذهب بعض المعتزلة بأنّه لو كان صفته نفس ذاته بهذا المعنى، لكان لصفته كلّ نعوته تعالى، ۲ أي المحمولات المختصّة باللّه تعالى، فإنّ ذاته حينئذٍ علمه مثلاً، فعلمه عالم بكلّ شيء، وقادر على كلّ شيء، وواجب الوجود بالذات، وقيّوم ومعبود للعباد، وخالق كلّ شيء وهكذا. هذا خلف؛ لأنّا نعلم أنّه ليس لعلمه نعت فضلاً عن كلّ نعت.
وقوله: «موجود» أي معلوم لنا، أو إشارة إلى خلف آخر، أي لو ۳ كان لصفته نعت، لكان كلّ من الصفة والنعت موجودا في نفسه في الخارج؛ لأنّ الصفة موجودة حينئذٍ، فإنّه لا معنى لوجود شيء بدون وجود ما يتّحد معه حقيقةً، فكذا النعت؛ لأنّه لا معنى لاتّحاد الصفة معه بدون اتّحاد النعت معه تعالى.
الرابع: أنّ قوله في نهج البلاغة: «فمن وصف اللّه فقد قرنه» إلى قوله: «فقد جهله»، غير مذكور في هذا الحديث. ومعنى قوله: «فقد ثنّاه» أنّه جعله ثاني اثنين إلهين، أي تابعا لآخَرَ في الاُلوهيّة؛ لأنّه يستحيل أن يكون المفعول إلها ولا يكون فاعله إلها أوّلاً.
ومعنى قوله: «فقد جزّأه» أنّه أعطاه شيئا قليلاً من العبادة؛ يُقال: جزّأه تجزئة: إذا أقنعه بالقليل؛ وذلك لأنّ الفاعل كما أنّه أولى بالاُلوهيّة من المفعول أكثرُ استحقاقا للعبادة من المفعول.
ومعنى قوله: «فقد جهله» أنّه لم يعرف ولم يعلم وجود اللّه ؛ لأنّ معنى اللّه من

1.شرح المقاصد ، ج ۲ ، ص ۷۲ . ونسبه للأشاعرة في المواقف ، ج ۱ ، ص ۴۳۷ ، و ج ۳ ، ص ۶۸ ؛ وشرح المواقف ، ج ۸ ، ص ۴۵ .

2.حكاه عنهم في شرح المقاصد ، ج ۲ ، ص ۷۲ ؛ والمواقف ، ج ۱ ، ص ۴۳۷ ؛ وشرح المواقف ، ج ۸ ، ص ۴۵ . وانظر معارج الفهم ، ص ۳۸۹ .

3.في «ج» : «ولو» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
384

على حدة؛ فالمراد بالأوّل فيه إمّا الظرف الخارج، وإمّا الجزء المقدَّم. ولا ينافي ذلك أن يكون العلم من قبيل الانفعال لا الفعل، فيستحيل تعلّق التكليف به، وذلك لأنّ التكليف بالمركّب ـ وهو الدين أي الإيمان باللّه ـ لا يستلزمه التكليف بكلّ جزء.
الثاني: أنّه ذكر الإخلاص في نهج البلاغة، ولم يذكر في هذا الحديث اقتصارا. ومعنى الإخلاص له تعالى أن لا يعبد إلها غيره.
الثالث: أنّ قوله في هذا الحديث: «وشهادتهما جميعا» إلى قوله: «فقد أبطل أزله» لم تذكر في نهج البلاغة اقتصارا، فمعنى قوله: «فقد قرنه» أنّه أبطل أزله، فجعله لاحقا بموجده غير منفكّ عنه. فالدليل عليه ما مرّ في هذا الحديث مع شرحه من قوله: «بشهادة كلّ صفة» إلى قوله: «فقد أبطل أزله» ففي نهج البلاغة اقتصار وطيٌّ لبعض المقدّمات، ولعلّه للاعتماد على ما ذكر في نهج البلاغة أيضا قبيل هذه الفقرات من قوله: «الذي ليس لصفته حدٌّ محدود، ولا نعتٌ موجود، ولا وقتٌ معدود، ولا أجلٌ ممدود» فإنّه إشارة بطريق الكناية إلى إبطال مذهب الأشاعرة وغيرهم من القائلين بالمعاني، ۱ ومذهب بعض المعتزلة وغيرهم من القائلين بأنّ الوجود والعلم والقدرة ونحوها يحمل على ذاته حملَ مواطأةٍ حقيقةً لغةً بدون مسامحة، ۲ فقيامها به مجازي.
فقوله: «ليس لصفته حدٌّ محدود» إشارة إلى قضيّتين:
الاُولى: أنّه لو كان له صفة موجودة في نفسه في الخارج قائمة به قياما حقيقيّا، لكان لصفته حدّ أي مبدأ لزمان وجودها؛ لأنّ كلّ موجود في نفسه في الخارج غيره تعالى حادث.
الثانية: أنّه لو كان لصفته حدّ، لكان حدّه محدودا باعتبار الكمّ المنفصل؛ أي محصورا في عددٍ متناه بعدد الصفات الشخصيّة المتعاقبة من العلم مثلاً.
والقضيّة الاُولى مضمون قوله في هذا الحديث: «وشهادتهما جميعا بالتثنية الممتنع منه الأزل، فمن وصف اللّه فقد حدّه».

1.اُنظر شرح المقاصد، ج ۲، ص ۷۲؛ شرح المواقف، ج ۸ ، ص ۴۵.

2.اُنظر شرح المقاصد ، ج ۲ ، ص ۷۲ ؛ شرح المواقف ، ج ۸ ، ص ۴۵ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55607
صفحه از 584
پرینت  ارسال به