فجعل صرفه عنه كنقله منه بحدوث رأي، وهذا كما صحّ أن تقول: سبحان من صغّر جسم البعوض، وكبّر جسم الفيل، وقولك للحفّار: ضيّق فم الركيّة، ووسّع أسفلها، وليس ثَمَّ نقل من كِبَر إلى صِغَر، ولا من صغر إلى كبر، ولا من سعة إلى ضيق، ولا من ضيق إلى سعة، وإنّما أردت الإنشاء على تلك الصفات بالقدرة بمعنى صحّة الفعل والترك.
وقيل: معنى البداء للّه تعالى أن يتجدّد عنه أثر لم يعلم أحد من خلقه قبل صدوره عنه أنّه يصدر عنه. انتهى. ۱
وهذا بعض إطلاقاته، وإنّما يطلق عليه بقرينة، كما في تاسع الباب.
وقد يُطلق البداء له تعالى على تجدّد أثر لم يعلم بعض خلقه قبل صدوره أنّه يصدر عنه، وإنّما يطلق عليه البداء بالنسبة إلى هذا البعض.
وربّما اعتبر في البداء ظنّه بأنّه لا يصدر، ومن نسب إلينا من مخالفينا إثباتَ بداء الندامة للّه تعالى، فقد غفل أو تغافل.
ومذهب اليهود نفي البداء عن اللّه تعالى؛ قالوا: إنّ اللّه تعالى فرغ من الأمر، وليس كلّ يومٍ هو في شأن، ويد اللّه مغلولة، وكذلك الزنادقة الفلاسفة ۲ قالوا: إنّ اللّه أوجد جميع معلولاته دفعةً واحدة دهريّة لا تترتّب باعتبار الصدور عنه، بل إنّما ترتّبها في الزمان فقط، كما أنّه لا تترتّب الأجسام المجتمعة زمانا في الزمان، إنّما ترتّبها في المكان فقط.
وفي كتاب الملل والنحل للشهرستاني في ترجمة النظّام من المعتزلة:
من مذهبه إنّ اللّه تعالى خلق الموجودات دفعةً واحدة على ما هي عليه الآنَ معادن ونباتا وحيوانا وإنسانا، لم يتقدّم خلق آدم عليه السلام خلق أولاده غير أنّ اللّه تعالى أكمن بعضها في بعض، فالتقدّم والتأخّر إنّما يقع في ظهورها من مَكامِنِها دون حدوثها ووجودها. انتهى. ۳
1.في حاشية «أ» : «ا م ن» منه . والظاهر أنّ المراد منه محمّد أمين الإسترابادي في حاشية على اُصول الكافي .
2.في «ج» : + «الذين قالوا : الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد والذين» .
3.الملل والنحل ، ج ۱ ، ص ۵۶ .