425
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

بمجموع الثلاثة وتقديره له، ولا بمجموع الأربعة وقضائه له؛ إنّما يرتفع إذا انضمّ إلى هذا المجموع إمضاؤه له؛ لأنّ القدرة بمعنى صحّة الفعل والترك لا تتعلّق بالمحال من حيث إنّه محال، والإمضاء يجعل الشيء ماضيا، ورفع الشيء الواقع في الزمان الماضي عن الزمان الماضي محال بالذات.
واعلم أنّ جوابه عليه السلام في ضمن مثال هو خلقه تعالى الأرض وما فيها من الإنسان وسائر الحيوانات وغير ذلك، وبيّن أنّ خلقها في أربع نوبات، وبيّن أنّ اليوم الأوّل يوم المشيّة، واليوم الثاني يوم الإرادة، واليوم الثالث يوم التقدير، واليوم الرابع يوم القضاء، وبيّن أنّ بقاء هذا النظام في الأرض إمضاء، وهو متأخّر عن أصل خلقها، وخارج عن الأيّام الأربعة.
وتوضيح ذلك: أنّ لكلّ فاعل مختار في فعله مشيّةً وإرادةً، وتقديرا وقضاءً.
والمشيّة في أصل اللغة من شاءه: إذا مال إلى كونه شيئا إمّا بجعله شيئا، وإمّا بتسبيب سبب يفضي إلى شيئيّته مع العلم بالإفضاء، وإمّا بغير ذلك؛ فهي تدبير متعلّق بشيء من حيث إنّه شيء. ۱
والإرادة في أصل اللغة من أراده: إذا شاء ورجّحه على بدله، ومنها الارتياد، أي طلب الأحرى، فهي مركّبة مفهوما من المشيّة وقيدٍ هو الترجيح على البدل، فحدّها أنّها نوع ترجيح لوقوع أحد أمرين بينهما بدليّة على وقوع الآخر لداع. ۲
والتقدير في أصل اللغة من قدّره: إذا أراده وعيَّن قَدَرهُ من طول وعرض ونحوهما؛ فهو مركّب مفهوما من الإرادة وقيدٍ هو تعيين القدر. ۳
والقضاء في أصل اللغة من قضاه: إذا دبّره من جميع الوجوه الميسّرة له، وختمه أي جعله بحيث لا يحتاج إلى عود إلى تدبيره وتجديد تدبير آخر له، فهو مركّب مفهوما

1.النهاية ، ج ۲ ، ص ۵۱۷ ؛ لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۱۰۳ (شيئا) ؛ الفروق اللغوية ، ص ۳۵ ، الفرق بين الإرادة والمشيئة .

2.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۴۷۸ ؛ الفروق اللغويّة ، ص ۳۵ ، الفرق بين الإرادة والمشيئة .

3.الفروق اللغويّة ، ص ۳۸ و ۴۲۲ ، الفرق بين القدر والقضاء ؛ معجم مقاييس اللغة ، ج ۵ ، ص ۶۲ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
424

(كَيْفَ عَلِمَ اللّهُ؟۱) ؛ بصيغة الماضي المعلوم المجرّد؛ أي كيف علم اللّه الأشياء قبل خلقها.
ويحتمل أن يكون مصدرا مضافا إلى الفاعل، كأنّه اختلج في ذهن السائل بعض شبه المنكرين للبداء له تعالى، وقد مضت في الباب مع أجوبتها.
ويحتمل أن يكون المختلج في ذهن السائل شبهة المنكرين لعلمه تعالى بالجزئيّات الحوادث، وهي أنّه يستلزم أن يكون مجبورا في خلقها، فإنّ القدرة ملزومة لجواز عدم وقوع المقدور، والعلم ملزوم لوجوب وقوع المعلوم، فإنّه لو جاز عدم وقوع المعلوم لزم أن يكون العلم جهلاً، وتنافي اللوازم يستلزم تنافي الملزومات. ۲
والجواب منع قولهم: إنّه لو جاز عدم وقوع المعلوم لزم أن يكون العلم جهلاً، مستندا بالفرق بين الجواز المقابل للوجوب السابق والامتناع السابق، والجوازِ المقابل للوجوب اللاحق والامتناع اللاحق. ومعنى الوجوب السابق وجوب الشيء بالنسبة إلى ما يتوقّف ذلك الشيء عليه، ومعنى الامتناع السابق امتناع الشيء لعدم ما يتوقّف ذلك الشيء عليه، ومعنى الوجوب اللاحق وجوب الشيء بالنسبة إلى تابعه، أو إذا أخذ بشرط تحقّقه. ويسمّى القسم الثاني من الوجوب اللاحق وجوبا بشرط المحمول، ومعنى الامتناع اللاحق امتناع الشيء لأجل تابع عدمه.
وأجاب عليه السلام بتحقيق الحقّ بحيث يعلم منه إجمالاً الإشارة إلى منع مقدّماتهم، فإنّ قوله عليه السلام هو الحجّة والبرهان، ولا يبقى معه شيء من الشبه التي لم تورث ظنّا فضلاً عن العلم، إنّما أورثت معارضة وهميّة.
(قَالَ: عَلِمَ) ؛ بصيغة المعلوم المجرّد، أي علم كلّ جزئي من جزئيّات الحوادث قبل وقوعه، وجميع وجوه المصالح والمفاسد فيه.
(وَشَاءَ، وَأَرَادَ وَقَدَّرَ، وَقَضى وَأَمْضى ) . المقصود أنّ قدرته تعالى على خلق ما خلق لا يرتفع بعلمه به، ولا بمجموع علمه به ومشيّته، ولا بمجموع الاثنين وإرادته له، ولا

1.في الكافي المطبوع : «عِلْمُ اللّه ِ» بالمصدر المضاف إلى الفاعل .

2.اُنظر المواقف للإيجي ، ج ۳ ، ص ۱۱ و ۲۱ و ۱۰۳ ؛ قواعد المرام لابن ميثم ، ص ۹۸ . وحكاه عن الحكماء العلّامة في النافع يوم الحشر ، ص ۳۹ ؛ وكشف المراد ، ص ۴۰۰ ، تحقيق الآملي ؛ وفي طبعة تحقيق الزنجاني ، ص ۳۱۱ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55585
صفحه از 584
پرینت  ارسال به