بمجموع الثلاثة وتقديره له، ولا بمجموع الأربعة وقضائه له؛ إنّما يرتفع إذا انضمّ إلى هذا المجموع إمضاؤه له؛ لأنّ القدرة بمعنى صحّة الفعل والترك لا تتعلّق بالمحال من حيث إنّه محال، والإمضاء يجعل الشيء ماضيا، ورفع الشيء الواقع في الزمان الماضي عن الزمان الماضي محال بالذات.
واعلم أنّ جوابه عليه السلام في ضمن مثال هو خلقه تعالى الأرض وما فيها من الإنسان وسائر الحيوانات وغير ذلك، وبيّن أنّ خلقها في أربع نوبات، وبيّن أنّ اليوم الأوّل يوم المشيّة، واليوم الثاني يوم الإرادة، واليوم الثالث يوم التقدير، واليوم الرابع يوم القضاء، وبيّن أنّ بقاء هذا النظام في الأرض إمضاء، وهو متأخّر عن أصل خلقها، وخارج عن الأيّام الأربعة.
وتوضيح ذلك: أنّ لكلّ فاعل مختار في فعله مشيّةً وإرادةً، وتقديرا وقضاءً.
والمشيّة في أصل اللغة من شاءه: إذا مال إلى كونه شيئا إمّا بجعله شيئا، وإمّا بتسبيب سبب يفضي إلى شيئيّته مع العلم بالإفضاء، وإمّا بغير ذلك؛ فهي تدبير متعلّق بشيء من حيث إنّه شيء. ۱
والإرادة في أصل اللغة من أراده: إذا شاء ورجّحه على بدله، ومنها الارتياد، أي طلب الأحرى، فهي مركّبة مفهوما من المشيّة وقيدٍ هو الترجيح على البدل، فحدّها أنّها نوع ترجيح لوقوع أحد أمرين بينهما بدليّة على وقوع الآخر لداع. ۲
والتقدير في أصل اللغة من قدّره: إذا أراده وعيَّن قَدَرهُ من طول وعرض ونحوهما؛ فهو مركّب مفهوما من الإرادة وقيدٍ هو تعيين القدر. ۳
والقضاء في أصل اللغة من قضاه: إذا دبّره من جميع الوجوه الميسّرة له، وختمه أي جعله بحيث لا يحتاج إلى عود إلى تدبيره وتجديد تدبير آخر له، فهو مركّب مفهوما
1.النهاية ، ج ۲ ، ص ۵۱۷ ؛ لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۱۰۳ (شيئا) ؛ الفروق اللغوية ، ص ۳۵ ، الفرق بين الإرادة والمشيئة .
2.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۴۷۸ ؛ الفروق اللغويّة ، ص ۳۵ ، الفرق بين الإرادة والمشيئة .
3.الفروق اللغويّة ، ص ۳۸ و ۴۲۲ ، الفرق بين القدر والقضاء ؛ معجم مقاييس اللغة ، ج ۵ ، ص ۶۲ .