427
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

«باب الاستطاعة». ويجيء في «كتاب الإيمان والكفر» في خامس «باب فضل اليقين» ۱ عدمُ فراره عليه السلام من هذا وأشباهه.
وليعلم أنّ المشيّة والإرادة والتقدير والقضاء قد يتعلّق بالفعل الاختياري للغير، فتجري فيه أيضا الأقسام الأربعة باعتبار أقسام المقضيّ إليه، كما نوضحه في باب بعد هذا الباب.
بيّن عليه السلام الترتيب بين الخصال بقوله:
(فَأَمْضى مَا قَضى، وَقَضى مَا قَدَّرَ، وَقَدَّرَ مَا أَرَادَ) . فيه اقتصار، فإنّ تتمّته المحذوفة: «وأراد ما شاء وشاء ما علم». والمقصود أنّه لم يتعلّق إمضاؤه وقضاؤه إلّا بما تعلّق به علمه، والإمضاء والقضاء متعلّقان بالجزئيّات من حيث هي جزئيّات، فعلمه أيضا متعلّقٌ بها من هذه الحيثيّة.
وهذا ردّ لما توهّمه السائل من نفي العلم بالجزئيّات من حيث هي جزئيّات، ثمّ أكّد بيان الترتيب بقوله:
(فَبِعِلْمِهِ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ، وَبِمَشِيئَتِهِ كَانَتِ الْاءِرَادَةُ، وَبِإِرَادَتِهِ كَانَ التَّقْدِيرُ، وَبِتَقْدِيرِهِ كَانَ الْقَضَاءُ ، وَبِقَضَائِهِ كَانَ الْاءِمْضَاءُ ) .
الباء في المواضع للاستعانة، والمقصود أنّه لولا علمه بالجزئي من حيث إنّه جزئي،لم يتعلّق قضاؤه وإمضاؤه بالجزئي من حيث إنّه جزئي؛ ردّا لما توهّمه السائل، وذلك لأنّه لولا تعلّق علمه بالجزئي، لم تتعلّق به مشيّته، ولولا تعلّق مشيّته بالجزئي، لم تتعلّق به إرادته، ولولا تعلّق إرادته بالجزئي، لم يتعلّق به تقديره، ولولا تعلّق تقديره بالجزئي، لم يتعلّق به قضاؤه، ولولا تعلّق قضائه بالجزئي، لم يتعلّق به إمضاؤه؛ وذلك لا?ّ جعل الشيء ماضيا فعل اختياري، فإنّه لو لم يفعل في وقته لم يصر من الاُمور الماضية.
ويحتمل أن يكون المراد أنّه لولا المشيّة لم تكن إرادة أصلاً؛ لأنّ الكاشف هنا دائر مع المكشوف عنه وجودا وعدما؛ أي وقوعه يكشف عن وقوعه، وعدمه عن عدمه.

1.الكافي، ج ۲، ص ۵۸، ح ۵.


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
426

من التقدير وقيدٍ هو الختم. ۱ ويتصادق هذه المفهومات الأربعة في فعل لم يتقدّمه مفض إليه لولاه لم يتحقّق هذا الفعل، أو تقدّمه ولم يلاحظ المقدّم.
ولذا فسّر أهل اللغة كلّاً من المشيئة والإرادة بالاُخرى، ويتصادق بعضها في فعل تقدّمه مفض أو مفضيان، أو لوحظ ذلك فقط، وتتفارق فيما تقدّمه اُمور كلّ واحدٍ منها مفض إليه لولاها لم يتحقّق.
ولوحظ ذلك إلى أقسام أربعة؛ لأنّ الاُمور إمّا اُمور مقدّمة زمانا على الفعل، وإمّا مجتمعة معه زمانا، والمقدّمة المتعدّدة لها أوّل وآخِر ووسط، فتخصّص أوّلها بلفظ المشيّة؛ لأنّها أبسط مفهوما، فيناسب تخصيصها بالأوّل، وتخصّص الوسط بلفظ الإرادة؛ لأنّها أبسط مفهوما بعد المشيّة، وتخصّص الآخر بلفظ التقدير؛ لأنّه أبسط مفهوما بعد الإرادة، وتخصّص المجتمع مع الفعل بلفظ القضاء؛ لأنّه أشدّ تركيبا، وفيه الختم، فيناسب تخصيصه بالآخر.
ولعلّ هذه التخصيصات مَجازات لغةً.
إن قلت: إذا كان القدر والقضاء متلازمين، فما معنى ما روى ابن بابويه في كتاب التوحيد في «باب القضاء والقدر» عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «أفرّ من قضاء اللّه إلى قدر اللّه عزّ وجلّ» حين عدل من عند حائط مائل إلى حائطٍ آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتفرّ من قضاء اللّه ؟ ۲
قلت: إنّما تلازمهما إذا تعلّقا بشيءٍ واحد.
ومعنى الحديث: أفرّ الآنَ من أن يقضى عَلَيَّ بعد الآنَ ـ أي في وقت الفعل ـ سقوطُ الحائط عليَّ إلى أن يقدّر لي الآنَ ـ أي قبل وقت الفعل ـ عدمُ سقوطه عَلَيَّ في وقت الفعل. وهذا بيان أنّ القدر والقضاء من اللّه تعالى لا يوجب جبر العبد على أفعاله الاختياريّة كما سنفصّله في أوّل «باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين» وفي أحاديث

1.الفروق اللغويّة ، ص ۳۸ و ۴۲۲ ، الفرق بين القدر والقضاء ؛ معجم مقاييس اللغة ، ج ۵ ، ص ۶۲ .

2.التوحيد ، ص ۳۶۹ ، ح ۸ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55562
صفحه از 584
پرینت  ارسال به