429
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

(فَلَا بَدَاءَ) أي لا بداء في هذا المعلوم؛ لأنّ الماضي خارج عن القدرة، بمعنى صحّة الفعل والترك.
(فَالْعِلْمُ فِي الْمَعْلُومِ۱) . «في» هنا وفي نظائره للظرفيّة المجازيّة، أي متعلّق بالمعلوم الجزئي من حيث إنّه جزئي كأنّه حاصل فيه.
(قَبْلَ كَوْنِهِ) . هذا إنّما يتصحّح بالقول بثبوت المعدومات في الخارج؛ لبداهة أنّ العلم بلا شيء محضٍ محالٌ، وتفصيله في محلّه. وكأنّ في استعمال «في» الدالّةِ في الأصل على الظرفيّة ونحو من المتبوعيّة إشارةً إليه، وخبر المبتدأ الجارّ والمجرور. ويحتمل أن يكون الخبر «قبل كونه» وقس عليه قوله:
(وَالْمَشِيئَةُ فِي الْمُنْشَأ ؛ بضمّ الميم وسكون النون وفتح المعجمة والهمز؛ أي في المشي، وإنّما عبّر عنه بالمنشأ إشارةً إلى أنّ المشيّةَ ابتداء فعل كاشف عنه، فكأنّه أحدثه حين المشيّة.
(قَبْلَ عَيْنِهِ) أي وجوده العيني، وهو حين القضاء.
(وَالْاءِرَادَةُ فِي الْمُرَادِ قَبْلَ قِيَامِهِ) أي بقائه، وهو حين الإمضاء؛ يُقال: أقام الشيء، أي أدامه؛ من قوله تعالى: «وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ» . ۲
لمّا كانت الإرادة إدامةً للمشيّة وبقاءً عليها، والإمضاء إدامةً للقضاء، ناسب ذكر أنّ الإرادة قبل الإمضاء، كما ناسب أن يُقال: إنّ المشيّة قبل القضاء.
(وَالتَّقْدِيرُ لِهذِهِ الْمَعْلُومَاتِ قَبْلَ تَفْصِيلِهَا وَتَوْصِيلِهَا عِيَانا وَوَقْتا) أي قبل وجودها الخارجي؛ فإنّ المفعولات قد ينفصل بعضها عن بعض في الوجود الخارجي، إمّا بحسب المعاينة والوضع كجسم في المشرق وآخَرَ في المغرب، وإمّا بحسب الوقت كآدم ونوح؛ وقد يتّصل إمّا بحسب المعاينة والوضع كجسمين متلاصقين، وإمّا بحسب الوقت كالاُمور المجتمعة في آنٍ واحدٍ.

1.في الكافي المطبوع : «بالمعلوم» .

2.البقرة (۲) : ۳ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
428

ثمّ أكّد الترتيب بقوله:
(وَالْعِلْمُ) أي بالجزئي من حيث إنّه جزئي.
(مُتَقَدِّمٌ۱الْمَشِيئَةَ، وَالْمَشِيئَةُ ثَانِيَةٌ) إمّا بلفظ تأنيثِ «ثاني» وإمّا بلفظ إضافة ثاني إلى ضمير العلم. وكذا في قوله:
(وَالْاءِرَادَةُ ثَالِثَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَاقِعٌ عَلَى الْقَضَاءِ) . «على» نهجيّة لا بنائيّة، وإلّا أفاد عكس الترتيب.
(بِالْاءِمْضَاءِ) . ذكر الباء هنا إشارة إلى أنّ القضاء لا يمكن ذاتا انفكاكه عن إمضاء في الجملة، بخلاف المراتب الاُول، فإنّ استحالة الانفكاك بينها للعلم بالمصلحة لا ذاتا. ويوافق ذلك ما يجيء في أوّل «باب المشيّة والإرادة» من قوله عليه السلام : «إذا قضى أمضاه».
(فَلِلّهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ الْبَدَاءُ فِيمَا عَلِمَ مَتى شَاءَ) . تفريعٌ لقدرته على الجزئيّات المعلومة على الترتيب، واللام للملكيّة.
و«ما علم» عبارة عن المعلوم الذي سيقضيه ويمضيه. والبداء في المعلوم أن يتجدّد منه تعالى كاشف عن عدم وقوع المعلوم.
ومعنى «متى شاء»: حين شاء المعلوم. والمقصود أنّه قادر حين المشيّة له أن لا يشاء؛ وذلك لأنّ الوجوب بالنسبة إلى العلم وجوب لاحق، لا سابق؛ فلا ينافي القدرة على عدمه.
(وَفِيمَا أَرَادَ) . فيه اقتصار، والمقصود: وفيما شاء متى أراد وفيما أراد.
(لِتَقْدِيرِ الْأَشْيَاءِ) . اللام بمعنى «عند» كقولهم: كتبته لخمس خلون من شهر كذا. والمراد لتقديره. وإنّما أضافه إلى «الأشياء» إشارة إلى أنّ ما علم مركّب من أشياء؛ لأنّ المراد به الأرض وما فيها. وفيه اقتصار، أي وفيما قدّر إذا قضى.
(فَإِذَا وَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْاءِمْضَاءِ) . فيه أيضا إشارة إلى أنّ القضاء لا ينفكّ عنه الإمضاء كما مرَّ آنفا.

1.في الكافي المطبوع : + «على» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55517
صفحه از 584
پرینت  ارسال به