437
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

اعلم أنّ المعتزلة ومَن جرى على أثرهم وسّعوا دائرة قدرة العبد، فذهبوا إلى التفويض من جهتين، وصاروا بهما قدريّةً مرّتين. ۱
بيان ذلك: أنّ معنى التفويض إقدار اللّه تعالى العبد على فعل بحيث يخرج عن يده تعالى أزمّة الفعل المقدور للعبد ما دام هذا الإقدار، وهذا معنى استقلال العبد في القدرة، وللتفويض بهذا المعنى فردان هو القدر المشترك بينهما، ويحصل بكلّ منهما استقلال للعبد في قدرته من جهة:
الأوّل: إقدار اللّه تعالى العبد على فعل بحيث لا يكون في مقدوره تعالى من المقرّبات إلى الفعل أو إلى الترك ما لو فعله بالعبد لاختار غير ما اختاره من الفعل أو الترك، فيلزمه أن لا يكون اللّه تعالى مقلّب القلوب والأبصار، وأن يصدر عن العبد ما يختاره وإن شاء اللّه أن لا يصدر، وذلك لقولهم ۲ بوجوب كلّ لطف ناجع على اللّه تعالى، فإنّه يلزمه أنّه لو كان في مقدوره تعالى لطف ناجع للكافر ـ مثلاً ـ لَفعل؛ لأنّه تعالى لا يترك الواجب عليه مع قدرته عليه، فلم يتحقّق كفر الكافر إلّا لعدم قدرته تعالى على اللطف الناجع، وكذا الكلام في إيمان المؤمن؛ لضروريّة عدم الفرق بينهما في الإقدار.
الثاني: إقدار اللّه تعالى العبد في وقت على فعل في ثاني الوقت.
إذا تمهّد هذا، فنقول: إثبات هذه الخصال الأربع في الخصال السبع للردّ على المعتزلة ومن تبعهم في قولهم بالتفويض الأوّل، والمراد هنا بمشيّة اللّه تعالى لفعل عبد ـ مثلاً ـ أن يصدر عنه تعالى باختياره تعالى قبل وقت ذلك الفعل من العبد أوّل ما علم تعالى أنّه يفضي تحقّقه إلى اختيار العبد ذلك الفعلَ في وقته؛ أي مع قدرة العبد على تركه فيه، ويفضي عدم تحقّقه إلى اختيار العبد ترك ذلك الفعلِ في وقته، أي مع قدرة العبد على ذلك الفعل فيه، سواء كان ما يصدر عنه تعالى فعلاً أم تركا أم اختيارا لأحد

1.حكاه عنهم ابن حجر في فتح الباري ، ج ۱ ، ص ۱۰۹ ؛ وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، ج ۶ ، ص ۴۲۷ ؛ والإيجي في المواقف ، ج ۱ ، ص ۱۴۵ ؛ وج ۳ ، ص ۲۰۸ و ۲۱۳ و ۲۲۶ .

2.في «ج» : «بقولهم» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
436

الأوّل: (عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ جَمِيعا، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ) ؛ بضمّ المهملة، وتخفيف الميم.
(عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْكَانَ جَمِيعا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَكُونُ) ؛ بصيغة المعلوم المجرّد.
(شَيْءٌ) أي فعل أو ترك صادر عن عبد.
(فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) . الظرف لغو متعلّق بالكون. ومضى معنى الأرض والسماء في شرح عنوان الباب.
(إِلَا بِهذِهِ) . الباء للملابسة.
(الْخِصَالِ السَّبْعِ) ؛ ۱ جمع «خصلة» بالفتح، وهي الصفة؛ فإنّ كلّاً من هذه السبع يوجب للفعل صفة اعتباريّة هي كونه بحيث يتعلّق به كذا.
(بِمَشِيئَةٍ، وَإِرَادَةٍ، وَقَدَرٍ، وَقَضَاءٍ ) أي من اللّه تعالى متعلّقة بالفعل أو الترك.

1.في حاشية «أ» : «قوله : إلّا بهذه الخصال السبع بمشيئة وإرادة إلى آخره ، لمّا كانت المشيئة أوّل ما له اختصاص بشيء دون شيء ، أخذ في عدّ سوابق وجود الأشياء وصدورها منه سبحانه من المشيئة ، وبعدها الإرادة ، وبعدها القدر ، وبعده القضاء بالترتيب الذي في الحديث . وأمّا الإذن فهو الإعلام وإفاضة العلم ـ والكتاب ـ وهو ما يثبت فيه الأشياء وتقرر فيه ـ والأجل ـ وهو المدّة المعيّنة الموقّتة للأشياء ـ فهي داخلة في الإرادة والقدر ؛ أو متخلّلة بين الأربعة بأن يكون الإذن متخللّاً بين المشيئة والإرادة، والكتاب بينهما وبين القدر، والأجل بين القدر والقضاء ، أو كلّ واحد من هذه الثلاثة داخل في كلّ واحد من الثلاثة الاول من الأربعة . وذكر ثلاثة مع الأربعة على تقدير الدخول للدلالة على دخولها في الأربعة وثبوت الوساطة في الإيجاد لها كما للأربعة . وعلى تقدير التخلّل للدلالة على ترتّب هذه الثلاثة على الثلاثة الأول من الأربعة ، فهي كالتتمّة لها . وقوله : فمن زعم أنّه يقدر على نقص واحدة ، أي إسقاطها من مقدّمات الإيجاد وجعلها أقلّ من سبعة فقد كفر ؛ لأنّه كذّب على اللّه وقال فيه خلاف الحقّ ، وردّ على اللّه حيث أنكر ما بيّنه في كتاب المبين . فمفاد هذا الكلام وكلام العالم عليه السلام في الحديث الثاني من هذا الباب واحد . وفي بعض النسخ : «نقض واحدة» بالضّاد المعجمه ، أي الردّ على واحدة منها وتغيير مقتضاها ومكابرتها ومعارضتها . وهذه النسخة بقوله : «فقد كفر» أنسب . والنسخة الاُولى للغرض المسبوق له الكلام وللحديث الثاني أوفق . (ميرزا رحمه الله)» . الحاشية على اُصول الكافي لميرزا رفيعا ، ص ۴۸۳ ـ ۴۸۵ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55609
صفحه از 584
پرینت  ارسال به