اعلم أنّ المعتزلة ومَن جرى على أثرهم وسّعوا دائرة قدرة العبد، فذهبوا إلى التفويض من جهتين، وصاروا بهما قدريّةً مرّتين. ۱
بيان ذلك: أنّ معنى التفويض إقدار اللّه تعالى العبد على فعل بحيث يخرج عن يده تعالى أزمّة الفعل المقدور للعبد ما دام هذا الإقدار، وهذا معنى استقلال العبد في القدرة، وللتفويض بهذا المعنى فردان هو القدر المشترك بينهما، ويحصل بكلّ منهما استقلال للعبد في قدرته من جهة:
الأوّل: إقدار اللّه تعالى العبد على فعل بحيث لا يكون في مقدوره تعالى من المقرّبات إلى الفعل أو إلى الترك ما لو فعله بالعبد لاختار غير ما اختاره من الفعل أو الترك، فيلزمه أن لا يكون اللّه تعالى مقلّب القلوب والأبصار، وأن يصدر عن العبد ما يختاره وإن شاء اللّه أن لا يصدر، وذلك لقولهم ۲ بوجوب كلّ لطف ناجع على اللّه تعالى، فإنّه يلزمه أنّه لو كان في مقدوره تعالى لطف ناجع للكافر ـ مثلاً ـ لَفعل؛ لأنّه تعالى لا يترك الواجب عليه مع قدرته عليه، فلم يتحقّق كفر الكافر إلّا لعدم قدرته تعالى على اللطف الناجع، وكذا الكلام في إيمان المؤمن؛ لضروريّة عدم الفرق بينهما في الإقدار.
الثاني: إقدار اللّه تعالى العبد في وقت على فعل في ثاني الوقت.
إذا تمهّد هذا، فنقول: إثبات هذه الخصال الأربع في الخصال السبع للردّ على المعتزلة ومن تبعهم في قولهم بالتفويض الأوّل، والمراد هنا بمشيّة اللّه تعالى لفعل عبد ـ مثلاً ـ أن يصدر عنه تعالى باختياره تعالى قبل وقت ذلك الفعل من العبد أوّل ما علم تعالى أنّه يفضي تحقّقه إلى اختيار العبد ذلك الفعلَ في وقته؛ أي مع قدرة العبد على تركه فيه، ويفضي عدم تحقّقه إلى اختيار العبد ترك ذلك الفعلِ في وقته، أي مع قدرة العبد على ذلك الفعل فيه، سواء كان ما يصدر عنه تعالى فعلاً أم تركا أم اختيارا لأحد