439
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

مثلاً؛ أي ما علم تعالى أنّه يفضي تحقّقه إلى اختيار العبد ذلك الفعل في وقته إلى آخر ما ذكرنا آنفا في المشيّة.
وتسمّى تلك الإرادة إرادة عزم وإرادة اختيار أيضا، ويعبّر عنها في أحاديثهم عليهم السلام بالإتمام على المشيّة، وبالعزيمة على ما يشاء، وبالثبوت عليه أي الجدّ فيه.
والمراد بالقدر هنا ما ذكرنا في حدّ الإرادة، إلّا أنّ القدر في وقت يظنّ فيه قدرة العبد على الفعل والترك بعد ذلك، فهو قبيل وقت الفعل والترك متّصلاً به.
والمراد بالقضاء هنا ما ذكرنا في حدّ الإرادة، إلّا أنّ القضاء في وقت الفعل والترك والحاجة إلى اعتبار الإرادة، ثمّ اعتبار القدر، ثمّ اعتبار القضاء بعد المشيّة بيان أنّ فعل العبد أو تركه لم يخرج بمجرّد المشيّة، أو مع الإرادة أيضا، أو مع القدر أيضا عن قدرة اللّه تعالى على التصرّف فيه؛ لأنّ الوجوب بالنسبة إلى هذه الاُمور وجوب لاحق، كما يجيء في ثالث «باب الاستطاعة» وتقسيم طرقه تعالى إلى إيمان الكافر مثلاً إلى هذه الأربعة، مع أنّ له طرقا لا تعدّ ولا تحصى للتقريب إلى الفهم، ووجه مناسبة تخصيص هذه الألفاظ الأربعة بالمعاني الأربعة كما مرّ في آخر «باب البداء».
ومذهب المعتزلة أنّه لا فرد لمشيّته تعالى لفعل العبد أو تركه إلّا الأمر به، مع كونه تعالى بحيث إن قدر على ما يفضي إليه من اللطف لفعل، فمشيّته متعلّقة بإيمان الكافر وإن لم يكن واقعا، فلم يصدق: ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن، سبحان من لا يجري في ملكه إلّا ما يشاء، بل قد يكون ما شاء إبليس، ولا يكون ما شاء اللّه تعالى. ۱
وهذا باطل لوجهين:
الأوّل: أنّه يستلزم إخراج اللّه تعالى من سلطانه ومضادّته في ملكه، وسيجيء تفصيل بيانه في شرح ثاني «باب الاستطاعة».
الثاني: أنّ الفرد الذي أثبتوه للّه تعالى من المشيّة من صفات المخلوق الذي يكون فيه شوق إلى شيء ثمّ قد يحرم منه، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا؛ إنّما فرد مشيّته تعالى

1.اُنظر إفحام المخاصم ، ص ۳۱ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
438

فعلين على الآخر، أو لأحد تركين على الآخر، وقس عليه مشيّته تعالى لترك عبد. ويسمّى تلك المشيّة مشيّة عزم ـ كما يظهر ممّا يجيء في رابع «باب المشيّة والإرادة» ـ ومشيّةَ اختيار أيضا كما يظهر ممّا يجيء في ثالث «باب الاستطاعة» ويعبّر عنها في أحاديثهم عليهم السلام بالذكر، الأوّل، كما يجيء في رابع «باب الجبر والقدر» وبالهمّ بالشيء وبابتداء الفعل كما يجيء في أوّل «باب المشيّة والإرادة». وقيل: «مشيّته تعالى في المعاصي نهيه عنها». انتهى. ۱
وفيه: أنّه إن أراد بمشيّته تعالى في المعاصي مشيّته تعالى لفعل المعاصي، فهذا إنّما يتّضح إذا جاز أن يُقال: إنّه جاء في لغة أو عرف شئت كذا، أي نهيتُ عنه؛ فيكون قوله تعالى في سورة التوبة: «وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ»۲ )؛ بمعنى، ولكن أمر اللّه بانبعاثهم فثبّطهم. ۳
وفيه ما فيه.
وإن أراد بها مشيّته لترك المعاصي كما في قوله تعالى في سورة الأنعام: «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَىْ ءٍ»۴ ، وقوله تعالى في سورة الزخرف: «وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَا يَخْرُصُونَ»۵ ، فهذا بعض إطلاقاتها، وليس الكلام فيه كما سيظهر في رابع الباب الآتي من قوله: «ينهى وهو يشاء» إلى آخره.
والمراد بالإرادة هنا أن يصدر عنه تعالى باختياره ثانيا ـ أي بعد المشيّة وقبل وقت يظنّ فيه تحقّق قدرة العبد على فعله بعد ذلك ـ مؤكّد للمشيّة في الإفضاء إلى فعل العبد

1.في حاشية «أ» : «أي ابن بابويه في باب القضاء والقدر من كتاب التوحيد (منه)» . التوحيد ، ص ۳۶۹ ، باب القضاء والقدر ، ذيل ح ۹ .

2.التوبة (۹) : ۴۶ .

3.في «ج» : - «فيكون قوله تعالى في سورة التوبة» إلى هنا .

4.الأنعام (۶) : ۱۴۸ .

5.الزخرف (۴۳) : ۲۰ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55610
صفحه از 584
پرینت  ارسال به