441
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

المشيّة الإرادةُ، ويجري كلّ ما ذكرنا فيها أيضا.
(وَإِذْنٍ ) . الإذن له معان، والمراد به هاهنا ۱ عدم إحداثه تعالى المانع العقلي عن فعل العبد أو تركه في وقتهما، كفعل الضدّ وإعدام العبد ونحوهما ممّا ينافي قدرة العبد، مع علمه تعالى بأنّه إذا لم يقع الإحداث حينئذٍ عنه تعالى لصدر الفعل أو الترك عن العبد حينئذٍ باختياره ومع قدرته تعالى على الإحداث حينئذٍ.
وقد يجعل المانع في حدّ الإذن في غير هذا الموضع أعمَّ من المانع العقلي، أي المخرج للعبد عن القدرة، والمانع العلمي وهو ما يعلم تعالى معه عدم اختيار العبد الفعل أو تركه، فيندرج القضاء تحت الإذن حينئذٍ اندراجَ الجزء في الكلّ، أو اندراجَ الجزئي في الكلّي. ۲
وإثبات هذه الخصلة في الخصال السبع للردّ على المعتزلة، وهم القدريّة في قولهم بالتفويض الثاني أي بتقدّم قدرة العبد على فعل في وقت على ذلك الوقت، قالوا: إنّ العبد قادر في الحال على الفعل والترك في ثاني الحال، وسيجيء في «كتاب الحجّ» في خامس «باب استطاعة الحجّ» استدلالُ قدريٍّ على ذلك بقوله تعالى: «وَللّهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»۳ وجوابُ أبي عبداللّه عليه السلام عنه.
وحاصله: أنّه ليس المراد بالاستطاعة هنا القدرة، بل المراد آلة للحجّ يظنّ معها تحقّق القدرة عليه في وقته إن لم يترك باختياره شيئا ممّا يتوقّف عليه وكان باختياره، فلا ينافي التوقّف على الإذن المعلوم بالبراهين القاطعة. وسيجيء في شرح ثاني «باب الاستطاعة» تفصيل بيانه.
ثمّ إنّه يحتمل أن يكون إثبات الإذن في الخصال السبع للردّ أيضا على الأشاعرة

1.في «ج» : «المراد بالإذن هاهنا» بدل «الإذن له معان والمراد به هاهنا» .

2.في «ج» : «تحت الكلّ ، نحو : «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةَ بِإِذْنِ اللَّهِ» » بدل «في الكلّ أو اندراج الجزئي في الكلّي» .

3.آل عمران (۳) : ۹۷ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
440

أفعال خاصّة أو تروك خاصّة، وذلك كغضبه ورحمه ونحو ذلك، سواء قلنا: إنّها مَجازات لغويّة، أم حقائق لغويّة. وقد مرّ في ثالث «باب الإرادة أنّها من صفات الفعل».
وتسمية المعتزلة «قدريّة» لإثباتهم جميع القدر في فعلهم وتركهم لأنفسهم حيث كذّبوا بقدر اللّه تعالى وجحدوه فيهما.
إن قلت: لِمَ خصّوا باسم القدريّة وهم كما أنكروا قَدَرَهُ تعالى أنكروا مشيّته تعالى وإرادته تعالى وقضاءه تعالى، وأنكروا أيضا إذنه تعالى كما سيجيء بُعيدَ هذا؟
قلت: لأنّهم لم ينسبوا التدبير الذي نفوه عن اللّه تعالى إلى أنفسهم إلّا من وقت قدرتهم على الفعل بزعمهم، أي قُبيل وقت الفعل، وهو وقت القدر كما مرَّ، ووشمُهُم بأوّل خلافهم أولى من وَسمهِم بما بعده، وجمهورهم ينفون القدرة عن أنفسهم في وقت الفعل، ولا معنى لتوقّف فعلهم على إذن أنفسهم.
ويمكن أن يكون المراد بالقدر في تسميتهم بالقدريّة ما يساوق القضاء، ويعمّ الخصال الخمس. وقد تُطلق الإرادة على هذا الأعمّ وكذا المشيّة، وقد تُطلق المشيّة على الأعمّ ممّا ذكرنا في حدّها أوّلاً وثانيا وممّا ذكره المعتزلة في حدّها.
وبهذا يصير النزاع معنويّا بيننا وبينهم في قولنا: ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن، وقولهم: بعض ما شاء اللّه لم يكن وبعض ما لم يشأ كان.
بيان ذلك: أنّا إذا حملنا المشيّة في هذا النزاع على ما ذكرنا في حدّها أوّلاً، أو على الأعمّ من الخصال الخمس، لم يتصوّر نزاعهم معنىً في قولنا: ما شاء اللّه تعالى كان، وإنّما يتصوّر النزاع المعنوي في قولنا: ما لم يشأ لم يكن فقط. وإذا حملنا المشيّة في هذا النزاع على ما ذكره المعتزلة في حدّها، لم يصحّ قولنا: ما شاء اللّه كان، ويصحّ كلام المعتزلة فيه سلبا لا عدولاً أيضا كما هو مذهبهم؛ لأنّ الموجبة إنّما تصدق إذا صدق العنوان على فرد، والمشيّة بهذا المعنى غير متحقّقة في اللّه تعالى بالنسبة إلى شيء أصلاً،لأنّها من صفات الخلق كما مرَّ آنفا، فلم يصحّ أيضا قولنا: ما لم يشأ لم يكن. وأيضا المعاصي الكائنة لم تتعلّق بها المشيّة بهذا المعنى اتّفاقا بيننا وبين المعتزلة، فيجب حمل المشيّة على الأعمّ ليصحّ النزاع معنويّا، وقد يذكر في هذين النزاعين بدلَ

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55541
صفحه از 584
پرینت  ارسال به