443
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

في الإذن. والحقّ الأمر بين الأمرين.
قالت الأشاعرة: قدرة العبد على فعل مساوقة لاتّصافه به تبعا لداعيه إلى الفعل، والمؤثّر في الفعل هو اللّه تعالى وقدرته على تركٍ مساوقةٌ لاتّصافه به تبعا لداعيه إلى الترك، والتارك هو اللّه تعالى، فإنّ معنى الترك عدم الفعل ممّن من شأنه التأثير في الفعل، لا العدمُ مطلقا، ولذا لا يسمّى الجدار تاركا للصلاة قال ۱ : إنّ المؤمن لا يقدر على الكفر، والكافر لا يقدر على الإيمان. فأنكرت الجهميّة والأشاعرة لذلك التحسين والتقبيح العقليّين، وزعموا أنّه لا يجب على اللّه تعالى شيء، ۲ والأمر بين الأمرين أنّ العبد قادر على كلّ من الفعل والترك ردّا على المجبّرة أي الجهميّة، والأشاعرة، وأنّ قدرته على فعل في وقت ۳ لا تتقدّم على ذلك الوقت ردّا على القدريّة المفوّضة.
واعلم أنّ في أفعال العباد مذهبا حصل من مزج الفلسفة بالاعتزال، وهو أنّ تخلّف فعل العبد عن علّته التامّة محال، وأنّ قدرته على فعل في وقت يتقدّم على ذلك الوقت، ويجب على اللّه كلّ لطف ناجع. وهذا مذهب أبي الحسين البصري من المعتزلة ومن تبعه. ۴ وهذا قول بالجبر بمعنى رفع اللوم عن فعل العبد من جهة، وبالتفويض من جهتين اُخريين.
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ اُصول المذاهب في أفعال العباد خمسة.
(وَأَجَلٍ) . المراد به وقت الحساب للأعمال يوم القيامة، فإنّه كأجل الديون المكتوبة في الصكوك بين الناس؛ أو المراد بالأجل الوقت المعيّن لوجوب خلق الكائن على اللّه .
وإثبات هذه الخصلة في الخصال السبع للردّ على منكري الحشر والحساب والجزاء، أو على منكري البداء من اليهود والفلاسفة القائلين بأنّ جميع معلولاته تعالى صادرة عنه تعالى دفعةً واحدة دهريّة، لا ترتّب لها بحسب الصدور عنه زمانا، كما مرّ تفصيله في الباب السابق.

1.في «ج» : «قالوا» .

2.فصَّل ذلك الشيخ جعفر سبحاني في رسالة في التحسين والتقبيح العقليّين ، ص ۶۱ ، وخصّص الفصل العاشر لأدلّة المنكرين .

3.في «ج» : «وقت في فعل» .

4.حكاه في المغني في أبواب العدل والتوحيد ، ص ۱۱۶ ؛ والعلّامة في معارج الفهم ، ص ۴۲۲ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
442

والجهميّة القائلين بأنّ أفعال العباد وتروكهم صادرة عن اللّه ، وذلك لأنّه لا معنى لإذن أحد فيما يصدر عن نفسه.
(وَكِتَابٍ) . المراد به كتابة صحيفة أعمال العباد، كما في قوله تعالى في سورة الكهف: «مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرا»۱ ، وفي سورة القمر: «وَكُلُّ شَىْ ءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ» . ۲
أو المراد بالكتاب وجوب خلق كلّ كائن عليه تعالى عقلاً؛ إمّا خلق تقدير، كما في أفعال العباد وتروكهم، وهو ما نحن فيه؛ وإمّا خلق تكوين، كما في أفعاله تعالى، وهو غير ما نحن فيه.
وخلق التقدير لأفعال العباد وتروكهم إنّما يكون بالخصال الخمس المتقدّمة.
والتعبير عن الوجوب بالكتاب محتمل في قوله تعالى في سورة البقرة: «حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ»۳ بناءً على أن يكون المراد بالكتاب وجوبَ التربّص أربعةَ أشهر وعشرا، وبأجله آخرَ مدّته. وقد اُشير إلى وجوب خلق كلّ كائن عليه تعالى ـ سواء كان فعلاً أم تركا؛ لاشتمال خلقه على الحِكَم والمصالح التي لا يعلمها إلّا علّام الغيوب ـ وإلى أنّه ليس خلق شيء منها على صفة المباح، في قوله تعالى في سورة بني إسرائيل: «وَإِنْ مِنْ شَىْ ءٍ إِلَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» . ۴
وإثبات هذه الخصلة في الخصال السبع للردّ على منكري الأديان، أو على المجبّرة وهم الأشاعرة ومن والاهم، وهم الجهميّة، فإنّ الجهميّة نفوا قدرة العبد رأسا، ۵ والأشاعرة ضيّقوا دائرة قدرة العبد في مقابلة ما وسّعت القدريّة، دائرة قدرته، ۶ كما مرّ

1.الكهف (۱۸) : ۴۹ .

2.القمر (۵۴) : ۵۲ ـ ۵۳ .

3.البقرة (۲) : ۲۳۵ .

4.الإسراء (۱۷) : ۴۴ .

5.حكاه في المواقف ، ج ۲، ص ۱۱۷ عن الجهميّة ؛ المسلك في اُصول الدين ، ص ۸۳ .

6.حكاه في المواقف ، ج ۲ ، ص ۱۱۷ عن القدريّة ، وحكاه ابن ميثم في قواعد المرام ، ص ۱۰۸ ؛ المسلك في اُصول الدين ، ص ۸۳ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55518
صفحه از 584
پرینت  ارسال به