فإنّ في «باب الإرادة والمشيئة» من كتاب المحاسن للبرقي ـ رحمه اللّه تعالى ـ في هذه الرواية بعد هذا «قلت: فما معنى أراد؟ قال: الثبوت عليه» انتهى. ۱ وهو أحسن وأوفق بما يجيء في رابع الثلاثين. ۲ ومعنى «الثبوت عليه» البقاء على الابتداء، وهو أن يصدر عنه تعالى ـ بعد المشيئة وقبل وقت قدرة العبد بزعم المعتزلة ـ فعل أو ترك موافق للمشيئة في الإفضاء إلى اختيار العبد الفعلَ، والحاجةُ إلى اعتبار الإرادة بيانُ أنّ الفعل لم يخرج بمجرّد مشيئة اللّه له عن قدرة اللّه على التصرّف فيه، لأنّ الوجوب بالنسبة إلى المشيئة ليس وجوبا سابقا، بل هو وجوب لاحق، كما يجيء في ثالث «باب الاستطاعة».
(قُلْتُ: مَا مَعْنى «قَدَّرَ»؟) . المراد ما معنى التقدير كما مرّ.
(قَالَ : «تَقْدِيرُ الشَّيْءِ مِنْ طُولِهِ وَعَرْضِهِ») أي معناه معلوم من اللغة، فإنّ الذي يظنّ قدرته على فعل بعد الحال يقدّر في نفسه ما يتعلّق بالفعل، كما في الحذّاء يقدّر قبل قطع الأديم طولَ ما يقطع منه وعرضَه.
ويفهم من ذلك أنّ معنى التقدير تعيين جهات الفعل وصفاته باعتبار زيادته ونقصانه، وباعتبار شدّته وضعفه قبل وقت الفعل متّصلاً به، وأنّ معنى تقدير اللّه لفعل العبد مثلاً فعلٌ أو ترك صادر من اللّه قُبيلَ وقت فعل العبد، موافق للمشيئة والإرادة في الإفضاء إلى فعل العبد، والحاجةُ إلى اعتبار التقدير ظاهر ممّا مرّ في الحاجة إلى اعتبار الإرادة.
(قُلْتُ: مَا مَعْنى «قَضى»؟ قَالَ : إِذَا قَضى أَمْضَاهُ) أي معناه التدبير في وقت الفعل، وهو الذي يتعقّبه بلا فصل الإمضاء؛ أي جعل الفعل ماضيا وهو اختياري، فإنّه لولا القضاء لم يصر الفعل ماضيا. والحاجةُ إلى اعتبار القضاء بيان أنّ الفعل لم يخرج بمجرّد المشيّة والإرادة والتقدير عن قدرة اللّه على التصرّف فيه؛ لأنّ الوجوب بالنسبة إلى الثلاثة وجوب لاحق.
(فَذلِكَ) أي ما تعلّق به القضاء والإمضاء.