45
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

(وَسُقْمَكَ بَعْدَ صِحَّتِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الأمراض أكثرها في الأعزّة المخدومين، دون المغفول عنهم، وفي موضع يوجد فيه الأطبّاء دون القرى والصحاري ، وقد وضع لكلّ مرض دلالات في بدن الإنسان، وعوارضُ باعتبار اللون والقارورة وحركة النبض ونحو ذلك؛ فهو بتدبير مدبّر.
(وَصِحَّتَكَ بَعْدَ سُقْمِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ حصول الصحّة ليس منوطا بالأدوية المستعملة عند الأطبّاء، بل ربّما كان المغفول عنه أقرب إلى الصحّة، والتصدّقات والأدعية أشدُّ تأثيرا في إزالة كثير من الأمراض؛ فليس ذلك إلّا بتدبير مدبّر، كما في قوله تعالى حكاية: «وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ»۱ .
(وَرِضَاكَ بَعْدَ غَضَبِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان قد يرضى بفعل لم يكن ليرضى به، بل يحلف على الاجتناب عنه، كالأفعال الخسيسة وكالصناعات الدنيّة؛ فعلم أنّه بتدبير مدبّر.
(وَغَضَبَكَ بَعْدَ رِضَاكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان قد ينقلع عن مرضيّ له لم يكن ينقلع عنه؛ فعلم أنّه بتدبير مدبّر.
(وَحَزَنَكَ بَعْدَ فَرَحِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان قد يعرض له حزن لا يعلم له سببا أصلاً؛ فعلم أنّه بتدبير مدبّر.
(وَفَرَحَكَ بَعْدَ حَزَنِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان قد يعرض له فرح لا يعلم له سببا أصلاً؛ فعلم أنّه بتدبير مدبّر.
(وَحُبَّكَ بَعْدَ بُغْضِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان قد يحبّ شخصا مبغوضا له، ولا يعلم له سببا أصلاً؛ فعلم أنّه بتدبير مدبّر.
(وَبُغْضَكَ بَعْدَ حُبِّكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان قد يبغض محبوبا له، ولا يعلم له سببا أصلاً؛ فعلم أنّه بتدبير مدبّر.
(وَعَزْمَكَ بَعْدَ أَنَاتِكَ) . يُقال: تأنّى في الأمر، أي تنظّر وترفّق، والاسم: الأناة مثل قناة،

1.الشعراء (۲۶) : ۸۰ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
44

منها حكم سائرها، كما فيما يجيء في ثالث الباب ۱ من قوله : «إنّي لمّا نظرت إلى جسدي» إلى آخره .
ويحتمل أن يكون المراد علمنا برعايته المصالح مفصّلاً في كلّ حادث في أنفسنا، ونبني الكلام على هذا الاحتمال ؛ لظهور الأوّل، فنقول :
دلالة هذا على الصانع باعتبار أنّ تولّد الإنسان المصوَّر بالصورة، المبعّض إلى الأعضاء والأجزاء المشتملة على الحِكَم والمصالح، الذكرِ أو الاُنثى من المنيّ البسيط الذي يصلح لكلّ صورة وأجزاء، واُنثى وذكر، لا يمكن بديهةً أن يكون بسبب غير ذي علم وحكمة؛ فيكون عن قادر .
(وَكِبَرَكَ بَعْدَ صِغَرِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان حين تولّده ليس قادرا على جلب المنافع ودفع المضارّ، والاغتذاء بكلّ غذاء ، فإعداد اللبن ـ المناسب لبدنه باعتبار الرطوبة في ثدي اُمّه لمعاشه ـ ، وإلهامه مصّ الثدي، وتحنين الوالدين عليه ونحو ذلك ممّا يتوقّف عليه كبر الإنسان ـ ولولاه لم يَعِش طفل أصلاً ـ ليس إلّا بتدبير وحكمة وقدرة .
(وَقُوَّتَكَ بَعْدَ ضَعْفِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان إذا كبر في الجملة، نبت له أضراس ليغتذي الغذاء المناسب لبدنه باعتبار اليبوسة القويّة المقوّية، وتهيّأ له أسباب القوّة على النسق المشاهد ليسعى في العمارة والزراعة والتجارة، ونحو ذلك ممّا يتوقّف عليه التمدّن، ولولاه لم يحصل للإنسان تعيّش، ولا يمكن أن يكون ذلك عن غير ذي علمٍ وقدرة وحكمة .
(وَضَعْفَكَ بَعْدَ قُوَّتِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ نقص القُوى حين الشيخوخة مشتمل على حكمة؛ لأنّه مذكِّر للموت ومُؤنسٌ له، ولو كان الإنسان باقيا على قوّة الشباب، لم يحصل لمن نشأ بعده دخلٌ في الدنيا، واستقلّ بالتصرّف في أمواله دون ولده، ولم يحتج إلى خادم، فيختلّ كثير من معاش الناس . وفيه من الحكمة ما لا يخفى ، فلا يصدر عن غير ذي علمٍ وقدرة وحكمة .

1.أي الحديث ۳ من باب حدوث العالم و إثبات المحدث .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 71567
صفحه از 584
پرینت  ارسال به