453
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللّهِ» 1 ، 2 وما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال في بنت اُمّ سلمة: «إنّها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلّت لي؛ إنّها لَابنة أخي من الرضاعة» 3 وأمثال ذلك.
فنقول هنا على القول الأوّل: يجب تأويل ما نحن فيه بأحد أمرين:
الأوّل ـ : وهو الأظهر ـ : أنّ فيه وضعَ اللازم المنفيّ موضعَ الملزوم المنفيّ، تقديره: ولو لم يشأ أن يأكلا لم يأكلا؛ إذ لو أكلا لغلبت مشيئتهما مشيئة اللّه . والمراد بالشرطيّة الثانية أنّه لو أكلا حين لم يشأ أن يأكلا لغلبت، كما قالوا في قوله تعالى: «لَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا» 4 .
الثاني: أنّ المراد لو لم يشأ أن يأكلا لاجتمع ذلك مع عدم غلبة مشيئتهما مشيئة اللّه .
ومثل هذا التأويل جارٍ في جميع ما تمسّك به أهل القول الثاني.
(وَأَمَرَ إِبْرَاهِيمَ) . هذا ناظر إلى قوله: «ويأمر وهو لا يشاء».
(أَنْ يَذْبَحَ) . فيه مسامحة؛ لأنّ المأمور به في الحقيقة أخذ السكّين باليد وتحريك اليد مع السكّين على النحو المعهود على حلق أحد، فإن ترتّب عليه انقطاع الأوداج سمّي ذبحا، وإلّا فلا. وقطع الأوداج من الأفعال المولّدة، وفاعل الأفعال المولّدة هو اللّه عند المحقّقين؛ 5 لأنّها بتبعيّة داعي اللّه لا بتبعيّة داعي العبد، وفعله تعالى ذلك عقيب تحريك اليد بإجراء العادة، وهو تعالى قادر على عدمه بخرق العادة. ولمّا كان عادته تعالى فعلَ القطع عقيب التحريك، سمّي الأمر بالتحريك أمرا بالذبح مسامحةً، فإنّ الأمر بغير المقدور حقيقةً غير جائز. وقد دلّ الدليل على أنّ النسخ قبل وقت الفعل غير جائز. 6

1.لقمان (۳۱) : ۲۷ .

2.مغنى اللبيب ، ج ۱ ، ص ۲۵۷ .

3.صحيح البخاري ، ج ۶ ، ص ۱۲۵ ، كتاب النكاح ؛ و ص ۱۹۵ كتاب النفقات ؛ صحيح مسلم ، ج ۴ ، ص ۱۶۵ ، باب تحريم الربيبة ؛ سنن ابن ماجة ، ج ۱ ، ص ۶۲۴ ، ح ۱۹۳۹ ، باب ما يحرم من الرضا عليه السلام .

4.الأنفال (۸) : ۲۲ .

5.المواقف ، ج ۲ ، ص ۱۳۱ .

6.اُنظر عدّة الاُصول ، ج ۲ ، ص ۵۲۰ ، فصل ۵ ، وفي الطبعة الاُخرى ، ج ۳ ، ص ۳۷ ، فصل: إذا نسخ الشيء قبل وقت فعله .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
452

والهمزة للاستفهام الإنكاري، والواو للعطف على مقدّر للإشارة إلى كثرة الأدلّة، فكأنّه قال: أما رأيت كذا وكذا وما رأيت.
(أَنَّهُ نَهى آدَمَ وَزَوْجَتَهُ أَنْ يَأْكُلَا مِنَ الشَّجَرَةِ وَشَاءَ ذلِكَ؟) أي أن يأكلا من الشجرة.
(وَلَوْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْكُلَا) أي ولو شاء أن لا يأكلا، بقرينة قوله:
(لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَتُهُمَا) أي للأكل (مَشِيئَةَ اللّهِ) أي لعدم الأكل.
والمراد بالمشيئة لعدم الأكل ما مرّ في ثالث الباب من تحقّقها في ضمن الفرد الذي يزعمه المعتزلة. ففيه ردّ عليهم بأنّه يستلزم إخراج اللّه من سلطانه، وسيجيء بيانه في شرح ثاني «باب الاستطاعة».
وقال ابن بابويه في كتابه في التوحيد في الباب المذكور:
إنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة، وقد علم أنّهما يأكلان منها، لكنّه عزّ وجلّ شاء أن لا يحُول بينهما وبين الأكل منها بالجبر والقدرة كما منعهما من الأكل منها بالنهي والزجر، فهذا معنى مشيئته فيهما، ولو شاء اللّه ـ عزّ وجلّ ـ منعهما من الأكل بالجبر ثمّ أكلا منها، لكانت مشيئتهما قد غلبت مشيئته كما قال العالم عليه السلام ، تعالى اللّه عن العجز علوّا كبيرا. انتهى. 1
وفيه ما فيه.
ذهب جمع إلى أنّ «لو» تفيد امتناع الشرط وامتناع الجواب جميعا.
وهذا هو القول الجاري على ألسنة المعربين، ونصّ عليه جماعة من النحويّين، والمتبادر في الاستعمال عند عدم القرينة الصارفة.
وذهب آخرون إلى أنّ «لو» إنّما تفيد امتناع الشرط، ولا تفيد امتناع الجواب؛ تمسّكا بقوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْ ءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا» 2 ، وقوله: «وَلَوْ أَنَّمَا فِى الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ

1.التوحيد ، ص ۶۵ ، ذيل ح ۱۸ .

2.الأنعام (۶) : ۱۱۱ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 71167
صفحه از 584
پرینت  ارسال به