461
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

فيه جزاءً للصغرى من أياديه تعالى ومننه، ولبقي رهينا بين يديه تعالى بسائر نعمه، فلا يستحقّ شيئا من ثوابه إن لم يستحقّ العقاب؛ هذا حال المطيع.
فأمّا العاصي أمرَه تعالى والمواقع نهيَه تعالى فإنّ اللّه تعالى لم يعاجله بعقوبته، مع أنّ عصيانه بعد نعمه تعالى التي لا تعدّ ولا تحصى، ولقد كان يستحقّ في أوّل ما همَّ بعصيانه كلّ ما أعدَّ لجميع خلقه من العقوبة، كما في الصحيفة الكاملة «من دعائه عليه السلام إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر». ۱ وأمّا أنّ العباد يحاسبون فلأنّهم يضيّعون حقوقا كثيرة للّه تعالى، ويأتون بما ليس لهم أن يأتوا به.
وإنّما خصَّ الفعل بالذكر مع أنّه تعالى لا يسأل عمّا يترك أيضا وهم يسألون، لأنّه الأهمّ، والتركُ يعلم بالمقايسة.
وهذا مأخوذٌ من قوله تعالى في سورة الأنبياء: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»۲ أي ليس فيهما له شركاء بأن يكون لهم أن يقولوا في الدين بغير إذنه بل بآرائهم، ويكون عليه أن يرضى كما في نهج البلاغة من كلام له عليه السلام في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا من قوله عليه السلام : «أم كانوا شركاء له، فلهم أن يقولوا، وعليه أن يرضى». ۳
وقوله: «لا يسأل» إلى آخره، كالوعيد، أي ليس لأحدٍ على اللّه حقّ في معاملة التكليف وغيره كما مرَّ آنفا، فيداريه على ما يقول بغير إذنه ويتّخذه شريكا، وله تعالى الحقّ على كلّ أحد، فلو عامل مع النبيّين والصدِّيقين لا بالكرم بل بالمكافأة، لاستحقّوا العقوبة.
ولا ينافي ذلك عصمتهم ولا قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين، بل هو مبنيّ على وجوب شكر المُنعم عقلاً، وعلى أنّه ما من أحد إلّا وهو مقصّر عن تأدية حقّ الشكر.

1.الصحيفة السجّاديّة (أبطحي) ، ص ۱۸۳ ، الدعاء ۹۸ ، وفي الطبعة الاُخرى ، ص ۱۸۴ .

2.الأنبياء (۲۱) : ۲۲ ـ ۲۳ .

3.نهج البلاغة ، ص ۶۱ ، الخطبة ۱۸ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
460

عليه تعالى في قضيّة الكرم وإن يستحقّ المطيع الثواب عليها بهذا الاعتبار وإن لم يستحقّه عليها باعتبار المكافأة. وقد دلَّ البرهان، على أنّه لا يصدر عنه تعالى ثواب ولا عقاب ولا فعل غير ذلك ولا ترك إلّا بصفة الوجوب.
(وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي) .
معنى الأولويّة هنا أنّ القبيح قد يتجاوز عنه لملاحظة ما يجبره من الحسنات السابقة أو اللاحقة الفارغة للجبر، وقد يعاقب عليه لعدم مقارنته ما يجبره، فيبقى على فاعله، ولو بنى معاملته تعالى مع المسيء على المكافأة، كان جعل سيّئة ممّا يبقى على فاعله أولى من جعله ممّا يتجاوز عنه، سواء كانت السيّئة من المقرّبين، أو من غيرهم؛ لأنّ حسنات المقرّبين غير فارغة للجبر؛ لأنّ اللّه أولى بها من العبد كما مرّ آنفا.
فالمراد بالأولويّة هنا أيضا الأولويّة على تقدير فرض المكافأة، فلا ينافي وجوب العفو عن بعض العُصاة في قضيّة الكرم، ووجوب عقاب بعض العصاة؛ لأنّ العفو عنه ظلم شديد «وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَامٍ لِّلْعَبِيدِ» . ۱(وَذَاكَ) . تعليلٌ للتعليل السابق.
(أَنَّنِي) أي لأنّني. يجوز فيه حذف نون الوقاية ـ كما سبق ـ وذكرُها كما هنا.
(لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) أي لا اُحاسب على معاملتي مع عبادي في التكليف والثواب والعقاب، والعباد يحاسبون على معاملتهم معي في الخير والشرّ.
وهذا من الكناية، والمقصود أنّي أكرم الأكرمين، أترك من حقّي في معاملتي مع عبادي أكثر ممّا آخذ أضعافا مضاعفة، فلا يصلح لعبدي ـ سواءً كان مطيعا أم عاصيا، معذّبا أم معفوّا عنه ـ أن يحاسبني بأن يطلب حقّه منّي على المكافأة، فإنّ هذا لا ينفعه ويضرّه؛ وذلك لأنّ حسنة العبد بعد ما أنعم اللّه تعالى عليه بما لا يعدّ ولا يحصى، فلو عمل تعالى مع المطيع بالمكافأة دون الكرم، لذهب بجميع ما كدح له وجملة ما سعى

1.آل عمران (۳) : ۱۸۲ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 69721
صفحه از 584
پرینت  ارسال به