فيه جزاءً للصغرى من أياديه تعالى ومننه، ولبقي رهينا بين يديه تعالى بسائر نعمه، فلا يستحقّ شيئا من ثوابه إن لم يستحقّ العقاب؛ هذا حال المطيع.
فأمّا العاصي أمرَه تعالى والمواقع نهيَه تعالى فإنّ اللّه تعالى لم يعاجله بعقوبته، مع أنّ عصيانه بعد نعمه تعالى التي لا تعدّ ولا تحصى، ولقد كان يستحقّ في أوّل ما همَّ بعصيانه كلّ ما أعدَّ لجميع خلقه من العقوبة، كما في الصحيفة الكاملة «من دعائه عليه السلام إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر». ۱ وأمّا أنّ العباد يحاسبون فلأنّهم يضيّعون حقوقا كثيرة للّه تعالى، ويأتون بما ليس لهم أن يأتوا به.
وإنّما خصَّ الفعل بالذكر مع أنّه تعالى لا يسأل عمّا يترك أيضا وهم يسألون، لأنّه الأهمّ، والتركُ يعلم بالمقايسة.
وهذا مأخوذٌ من قوله تعالى في سورة الأنبياء: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»۲ أي ليس فيهما له شركاء بأن يكون لهم أن يقولوا في الدين بغير إذنه بل بآرائهم، ويكون عليه أن يرضى كما في نهج البلاغة من كلام له عليه السلام في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا من قوله عليه السلام : «أم كانوا شركاء له، فلهم أن يقولوا، وعليه أن يرضى». ۳
وقوله: «لا يسأل» إلى آخره، كالوعيد، أي ليس لأحدٍ على اللّه حقّ في معاملة التكليف وغيره كما مرَّ آنفا، فيداريه على ما يقول بغير إذنه ويتّخذه شريكا، وله تعالى الحقّ على كلّ أحد، فلو عامل مع النبيّين والصدِّيقين لا بالكرم بل بالمكافأة، لاستحقّوا العقوبة.
ولا ينافي ذلك عصمتهم ولا قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين، بل هو مبنيّ على وجوب شكر المُنعم عقلاً، وعلى أنّه ما من أحد إلّا وهو مقصّر عن تأدية حقّ الشكر.
1.الصحيفة السجّاديّة (أبطحي) ، ص ۱۸۳ ، الدعاء ۹۸ ، وفي الطبعة الاُخرى ، ص ۱۸۴ .
2.الأنبياء (۲۱) : ۲۲ ـ ۲۳ .
3.نهج البلاغة ، ص ۶۱ ، الخطبة ۱۸ .