47
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

أنّ الإنسان مجبول على أن يرغب في المنافع ولا يرهب، أي لا يخاف منها، ولو كان راهبا من كلّ شيء لاختلّ النظام؛ ففي الرغبة رعاية المصالح، فليس إلّا بتدبير مدبّر.
(وَرَهْبَتَكَ بَعْدَ رَغْبَتِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان مجبول على الخوف للمضارّ وما هو مظنّتها، كالمواضع المظلمة الموحشة؛ وفيه من المصالح ما لا يخفى، فليس إلّا بتدبير مدبّر.
والظاهر من العبارة أنّ المرغوب فيه والمرهوب شيءٌ واحد، والاختلاف في الأوقات، لكن رعاية المصلحة فيه غير معلومة لنا مفصّلاً.
(وَرَجَاءَكَ بَعْدَ يَأْسِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان قد يرجو من غيره نفعا، فيراعي جانبه، وتترتّب عليه مصالح، فلولا الرجاء لاختلّ النظام؛ فليس إلّا بتدبير مدبّر.
(وَيَأْسَكَ بَعْدَ رَجَائِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان لو كان راجيا من كلّ أحد، أو من أحد دائما ومن جميع الجهات لاختلّ النظام، وتحبّس كلّ نفس؛ ففي اليأس في الجملة راحة ومصالح لا تخفى، فليس إلّا بتدبير مدبّر.
(وَخَاطِرَكَ) . أي وخطور خاطرك ببالك. والخاطر بصيغة اسم الفاعل: ما حصل في الذهن؛ من خطر ببالي كذا ـ كنصر وضرب ـ : إذا تحرّك في القلب ونشأ.
(بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وَهَمِكَ۱) . الباء للسببيّة. والوهم بالفتح: الذهن.
وهذا إشارة إلى أنّ خطور الخاطر بالبال على قسمين:
الأوّل: ما كان بسبب حصول ملزومه أو مقتضيه ضرورةً ۲ في البال، كخطور الزوجيّة بعد حصول الأربعة في الذهن.
الثاني: ما كان بسببٍ هو غير حاصل في البال، بل يخطر بغتةً.
والمقصود في الاستدلال القسم الثاني، فإنّه يدلّ على أنّه بسبب إلهام مدبّر.
(وَعُزُوبَ مَا أَنْتَ مُعْتَقِدُهُ عَنْ ذِهْنِكَ) . العزوب ـ بضمّ المهملة والزاي والموحّدة ـ

1.في الكافي المطبوع : «وَهْمِك» بالجزم .

2.في «ج» : - «ضرورة» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
46

وأصل الهمزة الواو من الونى بفتح الواو وفتح النون والألف، وبسكون النون والخاتمة: الضعف والفتور. ۱
دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان قد يعزم على فعل لم يكن ليعزم عليه لمصالح نفسه، لا لغضبه له، فينكشف عن صلاح كالتجارات والأسفار النافعة للناس، وكثيرا ما يخرج الإنسان من بيت بلا سبب وفي غير وقت خروجه، فينهدم البيت؛ فعلم أنّ ذلك بتدبير مدبّر.
ولا يوجب ذلك الجبرَ، كما سيجيء في «باب في أنّه لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلّا بسبعة». ۲(وَأَنَاتَكَ بَعْدَ عَزْمِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان قد يفسخ عزما لم يكن ليفسخ، وأكثر ذلك حين إخباره غيره عن نفسه أنّه سيفعل كذا بدون استثناء؛ فعلم أنّ ذلك بتدبير مدبّر.
وفي كتاب التوحيد لابن بابويه ـ رحمه اللّه تعالى ـ في «باب في أنّه عزّ وجلّ لا يعرف إلّا به»:
أنّ رجلاً قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، بماذا عرفت ربّك؟ قال: «بفسخ العزم ونقض الهمّ، لمّا هممت فحِيلَ بيني وبين همّي، وعزمتُ فخالف القضاء عزمي، علمت أنّ المدبِّر غيري». ۳(وَشَهْوَتَكَ بَعْدَ كَرَاهَتِكَ) ؛ بفتح الكاف من باب علم. دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان قد يشتهي الطعام والشراب والجماع والنوم وغير ذلك، ولو كان كارها لهذه دائما لاختلّ النظام؛ ففي الاشتهاء رعاية مصالح لا تخفى، فليس إلّا بتدبير مدبّر.
(وَكَرَاهَتَكَ بَعْدَ شَهْوَتِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الاشتهاء لو كان دائميّا لاختلّ النظام؛ ففي الكراهة رعاية مصالح لا تخفى، فليس إلّا بتدبير مدبّر.
(وَرَغْبَتَكَ بَعْدَ رَهْبَتِكَ) . هما بالفتح من باب علم: الإرادة والخوف. دلالة هذا باعتبار

1.تاج العروس ، ج ۱۹ ، ص ۱۷۲ (أنى) .

2.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۴۹ ، باب في أنه لا يكون شيء في السماء والأرض إلّا بسبعة .

3.التوحيد ، ص ۲۸۸ ، باب أنّه عزّوجلّ لا يعرف إلّا به ، ح ۶ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 71524
صفحه از 584
پرینت  ارسال به