أنّ الإنسان مجبول على أن يرغب في المنافع ولا يرهب، أي لا يخاف منها، ولو كان راهبا من كلّ شيء لاختلّ النظام؛ ففي الرغبة رعاية المصالح، فليس إلّا بتدبير مدبّر.
(وَرَهْبَتَكَ بَعْدَ رَغْبَتِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان مجبول على الخوف للمضارّ وما هو مظنّتها، كالمواضع المظلمة الموحشة؛ وفيه من المصالح ما لا يخفى، فليس إلّا بتدبير مدبّر.
والظاهر من العبارة أنّ المرغوب فيه والمرهوب شيءٌ واحد، والاختلاف في الأوقات، لكن رعاية المصلحة فيه غير معلومة لنا مفصّلاً.
(وَرَجَاءَكَ بَعْدَ يَأْسِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان قد يرجو من غيره نفعا، فيراعي جانبه، وتترتّب عليه مصالح، فلولا الرجاء لاختلّ النظام؛ فليس إلّا بتدبير مدبّر.
(وَيَأْسَكَ بَعْدَ رَجَائِكَ) . دلالة هذا باعتبار أنّ الإنسان لو كان راجيا من كلّ أحد، أو من أحد دائما ومن جميع الجهات لاختلّ النظام، وتحبّس كلّ نفس؛ ففي اليأس في الجملة راحة ومصالح لا تخفى، فليس إلّا بتدبير مدبّر.
(وَخَاطِرَكَ) . أي وخطور خاطرك ببالك. والخاطر بصيغة اسم الفاعل: ما حصل في الذهن؛ من خطر ببالي كذا ـ كنصر وضرب ـ : إذا تحرّك في القلب ونشأ.
(بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وَهَمِكَ۱) . الباء للسببيّة. والوهم بالفتح: الذهن.
وهذا إشارة إلى أنّ خطور الخاطر بالبال على قسمين:
الأوّل: ما كان بسبب حصول ملزومه أو مقتضيه ضرورةً ۲ في البال، كخطور الزوجيّة بعد حصول الأربعة في الذهن.
الثاني: ما كان بسببٍ هو غير حاصل في البال، بل يخطر بغتةً.
والمقصود في الاستدلال القسم الثاني، فإنّه يدلّ على أنّه بسبب إلهام مدبّر.
(وَعُزُوبَ مَا أَنْتَ مُعْتَقِدُهُ عَنْ ذِهْنِكَ) . العزوب ـ بضمّ المهملة والزاي والموحّدة ـ