471
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

اللّه ؛ أي ليس وجود أحد من المخلوقين حاقّا لحكم اللّه في علمه الأزلي، فضلاً عن لحوق الشقاء بذلك المخلوق، فإنّه أيضا مخلوق حادث، والحادث لا يكون حاقّا للقديم الأزلي.
إن قلت: العلم بلا شيء محضٍ محال، يجوز قِدم علمه تعالى بكلّ شيء مع حدوث كلّ مخلوق.
قلت: إن اُريد بالشيء الموجودُ في الخارج أو في الذهن، فلا نسلّم استحالة العلم بلا شيء محض، وإن اُريد به أعمّ من الثابت في الخارج بدون وجود، فيجوز علمه تعالى أزلاً بكلّ شيء؛ لثبوت المعدومات في الخارج أزلاً وأبدا بدون تأثير وخلق. وتفصيله في حواشينا على عدّة الاُصول.
(فَلَمَّا حَكَمَ بِذلِكَ، وَهَبَ لِأَهْلِ مَحَبَّتِهِ الْقُوَّةَ عَلى مَعْرِفَتِهِ) . «لمّا» هنا ك«لّما» في قولك: لمّا أكرمتني أمس أكرمتك اليوم. و«حَكَمَ» بصيغة ماضي معلوم باب نصر. والباء للمصاحبة، نحو: اهبط بسلام؛ أي معه. والإشارة إلى عدم القيام المفهوم من قوله: «لا يقوم له أحد من خلقه بحقّه».
والمراد بأهل محبّته: الذين حكم في علمه الأزلي بأنّهم يحبّونه، فإضافة المصدر إلى المفعول كما في «معرفته».
ومعرفتُه الاعتراف بربوبيّته يوم قال: «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى» . ۱ والمراد بالقوّة على معرفته: انشراح صدورهم للإسلام بعد تعلّقهم بالأبدان، كما في قوله في سورة الأنعام: «فَمَنْ يُرِدْ اللّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَامِ»۲ .
(وَوَضَعَ عَنْهُمْ ثِقَلَ الْعَمَلِ) . عطفُ تفسير، والمراد بالعمل المعرفة، فإنّها من أعمال القلب، فهذا لا ينافي ما يجيء في «كتاب الجنائز» في أوّل «باب العلّة في غسل الميّت غسل الجنابة» من قول أبي جعفر عليه السلام لمخالف استبصر: «أما أنّ عبادتك يومئذٍ كانت

1.الأعراف (۷) : ۱۷۲ .

2.الأنعام (۶) : ۱۲۵ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
470

كما في قوله تعالى في سورة الأنفال: «ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ» . ۱
هذا السؤال مبنيّ على صدق قضيّتين:
الاُولى: أنّ حكمه تعالى في علمه الأزلي بعذاب أهل المعصية على عملهم بسبب لحوق الشقاء بهم في الأوّل.
الثانية: أنّ لحوق الشقاء بهم بسبب من الأسباب والسؤال عن خصوصيّة هذا السبب.
(فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : أَيُّهَا السَّائِلُ) . فيه تعنيف وإشارة إلى تجاسر السائل ببناء سؤاله على حكمه بصدق القضيّة الاُولى من القضيّتين المذكورتين مع ظهور فسادها.
(حُكْمُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) . ۲ مصدر مضاف، والمراد به هنا حكمه تعالى في علمه الأزلي بكلّ شيء، سواء كان حكمه للأشقياء بالعذاب على عملهم، أم حكمه للسعداء بالثواب على عملهم، أم غيرهما. وهو مبتدأ خبره قوله:
(لَا يَقُومُ لَهُ) أي للحكم.
(أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ بِحَقِّهِ) . الحقّ مصدر باب نصر: الإيجاب والإثبات، والضمير لحكم

1.الأنفال (۸) : ۱۸۱ ـ ۱۸۲ .

2.في حاشية «أ»: «قوله: حكم اللّه تعالى لا يقوم له أحد من خلقه بحقّه إلى آخره، لمّا سأل السائل عمّا يستند إليه حكم اللّه بعذاب أهل الشقاء، وأنّه لابدّ أن يكون لحوق الشقاء لهم مقدّما على حكم اللّه في علمه حتّى يترتّب عليه ذلك الحكم، وعمّا يستند إليه لحوق الشقاء [سابقا على حكمه في علمه، وأنّه لا شيء قبل علمه ليستند إليه لحوقُ الشقاء] لهم، أجاب عليه السلام بأنّ حكم اللّه تعالى لا يقوم له أحد من خلقه بموجبه وبيان سببه، أو بما يليق به، وبأن يكون بيانا لسببه ولا بإدراكه وفهمه، وما هو كذلك فحقيق بأن لا يُتعرّض لبيانه، والسكوتُ عمّا يعجز اللسان عن بيانه أولى من التعرّض للبيان. ثمّ بيّن بقوله: فلمّا حكم بذلك إلى آخره، أنّ حكمه بذلك في علمه يترتّب عليه إعطاء المعرفة لأهل السعادة وأهلِ المحبة، ووضعُ ثقل العمل عنهم بثبوت ما هم أهلُه، وإعطاءُ أهل الشقاء والمعصية القوّةَ على معصيتهم لما علمه فيهم من الشقاء، ومنعهم ولم يعطهم إطاقة القبول منهم، فواقعوا ما سبق لهم في علمه من السعادة والشقاوة وتوابعهما، ولم يقدروا على الإتيان بحال لهم تنجّيهم من عذابه؛ لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق والوقوع، وقوله: وهو معنى شاء ما شاء، أي ما ذكرناه من أنّه لا يقوم لحكم اللّه أحد من خلقه بحقّه معنى شاء ماشاء، وهو سرّه الذي لم يطّلع عليه أحد من خلقه (ميرزا رفعيا رفع اللّه قدره ورحمه)». الحاشية على اُصول الكافي لميرزا رفيعا، ص ۴۹۱ ـ ۴۹۲. ومابين المعقوفين من المصدر.

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55622
صفحه از 584
پرینت  ارسال به