475
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

بطون اُمّهاتهم مثلاً؟ فالجواب: من علم اللّه الأزلي بأنّهم أهل المعصية. وإن قال: من أين لحقت المعصية أهل المعصية بعد تكليفهم في الأبدان؟ فالجواب: من سوء اختيارهم لأنفسهم مع قدرتهم أن يأتوا حالاً تنجيهم، فإنّ معصيتهم ليست واجبة بالوجوب السابق، إنّما هي واجبة بالوجوب اللاحق.
وتفصيل دفع الشكوك عن هذا في حواشينا على عدّة الاُصول.
الثالث: (عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ مُعَلّى أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ: يُسْلَكُ بِالسَّعِيدِ) . «سلك» يستعمل لازما ومتعدّيا، فإن جعل هنا من اللازم، فهو بصيغة المضارع المجهول، والباء للتعدية، والظرف قائم مقام الفاعل، أو المعلوم والباء للتعدية، وفيه ضمير راجع إلى اللّه ؛ وإن جعل من المتعدّي من المجهول، فالباء لتقوية الإلصاق، والظرف قائم مقام الفاعل، أو المعلوم والباء للتقوية، وفيه ضمير اللّه .
(فِي طَرِيقِ الْأَشْقِيَاءِ) أي الطريق الذي يكون غالبا للأشقياء، وهو طريق المعاصي.
(حَتّى يَقُولَ النَّاسُ) . يجوز في «يقول» الرفع كقراءة نافع «حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ»۱ فتكون «حتّى» الابتدائيّة الداخلة على الجمل وما بعدها حاليّةً محكيّة، أي حتّى حاله حينئذٍ أنّ الناس يقولون. ويجوز النصب كقراءة الباقين، فتكون «حتّى» جارّةً بمعنى «إلى» نحو «حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى» . ۲(مَا أَشْبَهَهُ) ؛ فعل تعجّب.
(بِهِمْ) . إنّما يقولونه حين ظنّوا أنّه ليس منهم.
(بَلْ هُوَ مِنْهُمْ!) أي بل حتّى يقولوا: هو منهم، وهذا إنّما يقولونه حين ظنّوا أنّه منهم. ويحتمل أن يكون لفظة «بل» أيضا من كلام الناس.
(ثُمَّ يَتَدَارَكُهُ) أي يلحقه ويأخذه عن هذا الطريق. والفعل المنسوب إلى واحد إذا

1.حكاه في التبيان، ج ۲، ص ۱۹۷؛ مجمع البيان، ج ۲، ص ۶۷. والآية في سورة البقرة (۲): ۲۱۴.

2.طه (۲۰) : ۹۱ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
474

(وَهُوَ سِرُّهُ) . الضمير المرفوع راجع إلى «معنى شاء ما شاء»، والضمير المجرور راجع إلى اللّه تعالى؛ يعني أنّ هذا المعنى لشاء ما شاء سرُّ اللّه الذي أودعه صدور أوليائه من أهل بيت نبيّه صلّى اللّه عليهم، ولا يعلمه إلّا العالم منهم، أو من علّمه العالم منهم، كما يجيء في عاشر الباب الآتي، فلا تذيعوه عند المخالفين وأهل الضلال، فإنّ المجبّرة منهم يفسّرون مشيئته تعالى في أمثال «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ» بما يفضي إلى الجبر، ۱ والقدريّة منهم يفسّرون مشيئته تعالى بمحض علمه، ويجعلون العبد مستقلّاً في قدرته.
والحقّ الأمر بين الأمرين، كما يجيء في الباب الآتي.
ونظير هذا السرّ ما يجيء في «كتاب الحيض» في أوّل «باب معرفة دم الحيض والعذرة والقرحة» من قول أبي الحسن موسى عليه السلام : «يا خلف، سرّ اللّه سرّ اللّه فلا تذيعوه، ولا تعلّموا هذا الخلق اُصول دين اللّه ، بل ارضوا لهم ما رضي اللّه لهم من ضلال». ۲
حاصل الجواب: أنّ اللّه تعالى علم في الأزل أنّ مقتضى الحكمة أن يخلق فيما لا ۳ يزال أقواما من الإنس والجنّ، ويكلّفهم بأشياء بعد الإقرار والتمكين وإزاحة العلّة ببعث الرُّسل وإنزال الكتب، وعلم أيضا أنّه على تقدير تسوية اللطف بين جميع المكلّفين يختار بعضهم الطاعة بدون جبر، ويختار بعضهم العصيان بدون جبر، فخلقهما فيما لا يزال، ووهب للأوّلين القوّة على معرفته، ووضع عنهم ثقل العمل، مع قدرته تعالى على ما يصرفهم عن ذلك باختيارهم خلاف ذلك، ووهب للآخرين القوّة على معصيتهم، ومنعهم قوّة القبول منه، مع قدرته تعالى على ما يصرفهم عن ذلك باختيارهم خلاف ذلك؛ فلا جور في مشيئته تعالى عند خلق السعادة للأوّلين والشقاء للآخرين.
ويتلخّص من هذا الجواب أنّه إذا قال السائل: من أين لحق الشقاء أهلَ المعصية في

1.اُنظر تفسير الكبير ، ج ۱۳ ، ص ۱۵۲ ؛ وج ۱۴ ، ص ۱۷۸ ؛ و ج ۳۰ ، ص ۲۱۰ .

2.الكافي ، ج ۳ ، ص ۹۲ ، ح ۱ .

3.فى «ج»: - «لا».

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55527
صفحه از 584
پرینت  ارسال به