501
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

واعلم أنّ المعتزلة قدريّة مرّتين؛ لأنّهم لمّا قالوا بالتفويض الأوّل، أنكروا قسما من قدرة اللّه على التصرّف في فعلهم، فأنكروا قسما من قدرته ۱ تعالى أي تدبيره وتقديره تعالى؛ لأنّه لا يتأتّى التدبير في شيء من جهة إلّا من القادر على وجوه التصرّف فيه من هذه الجهة، فنسبوا جميع القدر الذي يكون من هذه الجهة إلى أنفسهم.
ولمّا قالوا بالتفويض الثاني أنكروا قسما آخر من قدرة اللّه تعالى على التصرّف في فعلهم، فأنكروا قسما آخر من قَدَرِهِ وتدبيره في فعلهم، فنسبوا جميع القدر الذي يكون من هذه الجهة إلى أنفسهم.
وقوله: «لم يعص» بصيغة المجهول، وفيه ضمير اللّه ، وكذا قوله: «لم يطع». وقوله: «مكرها» بفتح الراء. وقوله؛ «لم يملّك» بشدّ اللام المكسورة، ومعنى التمليك هنا الإقدار.
وقوله: «مفوّضا» بشدّ الواو المكسورة. ويحتمل أن يكون المراد بالتفويض هنا الفردَ الثانيَ من التفويض، من قبيل استعمال العامّ في الخاصّ مجازا، فيكون كلّ من الفقرات الثلاث نفيا لاعتقاد من المفوّضة غيرِ منفيّ بالاُخريين. ويحتمل أن يكون المراد به الأعمَّ، فيكون تعميما بعد تخصيص، وفي سورة يونس: «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرّا وَلَا نَفْعا إِلَا مَا شَاءَ اللّهُ»۲ .
(وَلَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً، وَلَمْ يَبْعَثِ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ عَبَثا«ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ»۳) .
هذه الفقرات الثلاث لبيان بطلان القدر المشترك بين الجبر والتفويض، فإنّه يلزم على كلّ منهما بطلان الأمر والنهي والثواب والعقاب؛ أمّا على الجبر، فلما مرّ من قوله: «لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي»، وأمّا على التفويض، فلما يجيء في حادي عشر الباب من قوله: «لو فوّض إليهم لم يحصُرْهم بالأمر والنهي». فعلى

1.في «ج» : «قدره» .

2.يونس (۱۰) : ۴۹ .

3.ص (۳۸) : ۲۷ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
500

وللتفويض بهذا المعنى فردان هو القدر المشترك بينهما:
الأوّل: إقدار اللّه تعالى العبدَ على فعل بحيث لا يكون في مقدوره تعالى من المقرّبات إلى الفعل أو إلى الترك ما لو فعله بالعبد لاختار غير ما اختاره من الفعل والترك، فيلزمه أن يصدر عن العبد ما يختاره وإن شاء اللّه أن لا يصدر. وقد بيّنّا في تحرير محلّ النزاع بيننا وبين المعتزلة معنى مشيئة اللّه في أوّل الخامس والعشرين. ۱
وهذا مذهب المعتزلة؛ لقولهم بوجوب كلّ لطف ناجع على اللّه تعالى. ۲
ويلزم من ذلك أنّ العبد إن اختار العصيان كان عاصيا بغلبة على اللّه ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، فإنّه لو كان في مقدوره تعالى لطف ناجع لفعل؛ لأنّه لا يترك الواجب عليه مع قدرته عليه، وعندهم أنّ كلّ لطف ناجع يجب عليه، فلم يتحقّق العصيان إلّا لعدم قدرته على اللطف الناجع.
ويلزم من ذلك أيضا أنّ العبد إن اختار الطاعة كان مطيعا بإكراه؛ بمعنى أنّه بحيث إن شاء اللّه تعالى على فرض المحال تركَ الطاعة، ربّما لم يقدر على صرفه عن اختياره الطاعة إلى اختياره تركها؛ لعدم الفرق بين الإقدار على الطاعة، والإقدار على العصيان بديهةً واتّفاقا.
الثاني: إقدار اللّه تعالى العبدَ في وقت على فعل في ثاني الوقت، ويلزم من ذلك أن يكون العبد مستقلّاً في القدرة غير موقوف فعله على الإذن من اللّه . وقد مضى أيضا معنى الاستقلال ومعنى الإذن في أوّل الخامس والعشرين. ۳ وهذا أيضا مذهب المعتزلة حتّى أنّ أكثرهم يقولون: لا تبقى القدرة في وقت الفعل. ۴

1.أي في الحديث ۱ من باب في أنّه لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلّا بسبعة .

2.المغني في أبواب العدل والتوحيد ، ص ۱۱۶ ؛ وحكاه عنهم الرازي في كتاب المحصّل ، ص ۴۸۱ ؛ والعلّامة في معارج الفهم ، ص ۴۲۲ .

3.شرح الاُصول الخمسة ، ص ۳۹۰ . وحكاه السيّد المرتضى في الذخيرة في علم الكلام ، ص ۸۸ ؛ وشرح جمل العلم والعمل ، ص ۹۷ ؛ والشيخ الطوسي في الاقتصاد ، ص ۱۰۴ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 70220
صفحه از 584
پرینت  ارسال به