واعلم أنّ المعتزلة قدريّة مرّتين؛ لأنّهم لمّا قالوا بالتفويض الأوّل، أنكروا قسما من قدرة اللّه على التصرّف في فعلهم، فأنكروا قسما من قدرته ۱ تعالى أي تدبيره وتقديره تعالى؛ لأنّه لا يتأتّى التدبير في شيء من جهة إلّا من القادر على وجوه التصرّف فيه من هذه الجهة، فنسبوا جميع القدر الذي يكون من هذه الجهة إلى أنفسهم.
ولمّا قالوا بالتفويض الثاني أنكروا قسما آخر من قدرة اللّه تعالى على التصرّف في فعلهم، فأنكروا قسما آخر من قَدَرِهِ وتدبيره في فعلهم، فنسبوا جميع القدر الذي يكون من هذه الجهة إلى أنفسهم.
وقوله: «لم يعص» بصيغة المجهول، وفيه ضمير اللّه ، وكذا قوله: «لم يطع». وقوله: «مكرها» بفتح الراء. وقوله؛ «لم يملّك» بشدّ اللام المكسورة، ومعنى التمليك هنا الإقدار.
وقوله: «مفوّضا» بشدّ الواو المكسورة. ويحتمل أن يكون المراد بالتفويض هنا الفردَ الثانيَ من التفويض، من قبيل استعمال العامّ في الخاصّ مجازا، فيكون كلّ من الفقرات الثلاث نفيا لاعتقاد من المفوّضة غيرِ منفيّ بالاُخريين. ويحتمل أن يكون المراد به الأعمَّ، فيكون تعميما بعد تخصيص، وفي سورة يونس: «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرّا وَلَا نَفْعا إِلَا مَا شَاءَ اللّهُ»۲ .
(وَلَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً، وَلَمْ يَبْعَثِ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ عَبَثا«ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ»۳) .
هذه الفقرات الثلاث لبيان بطلان القدر المشترك بين الجبر والتفويض، فإنّه يلزم على كلّ منهما بطلان الأمر والنهي والثواب والعقاب؛ أمّا على الجبر، فلما مرّ من قوله: «لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي»، وأمّا على التفويض، فلما يجيء في حادي عشر الباب من قوله: «لو فوّض إليهم لم يحصُرْهم بالأمر والنهي». فعلى