والمراد بقولهم هنا الفرد الأوّل من التفويض، وهو أنّه لم يبق للّه تعالى طريق إلى صرف العبد عن الشرّ الواقع منه إلّا القسر والإلجاء؛ لوجوب كلّ لطف ناجع عليه بزعمهم، فينكرون خلق الشقاء، وكون شرّ مع الخذلان فضلاً عن كون كلّ شرّ معه، وكذا ينكرون التوفيق في بعض الخير، كما مرّ في أوّل الباب في شرح قوله: «ولم يطع مكرها».
(فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ) . حاصل الكلام الاستدلال على بطلان قول القدريّة بآيات ثلاث حكى اللّه تعالى فيها أقوال أهل الجنّة وأهل النار وإبليس على سبيل التقرير.
(لَمْ يَقُولُوا بِقَوْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) وهو أنّ كلّ خير مع التوفيق. وفي رواية البرقي في كتاب المحاسن في باب الإرادة والمشيئة هكذا: «لم يقولوا بقول اللّه : وما تشاؤون إلّا أن يشاء اللّه ، ولا قالوا بقول أهل الجنّة». ۱(وَلَا بِقَوْلِ أَهْلِ النَّارِ) وهو أنّ كلّ شرّ مع الخذلان، وأنّ اللّه تعالى خلق الشقاء.
(وَلَا بِقَوْلِ إِبْلِيسَ) وهو أنّ اللّه يخلق الشقاء. ومعنى الشقاء أن يكون أحد بحسب الجبلّة كثيرَ الميل إلى الشرّ بدون جبر له على الشرّ، ومع علم اللّه تعالى أنّ ذلك يفضيه إلى سوء الخاتمة نعوذ باللّه منه، وقد مرّ في «باب السعادة والشقاء» ما يتعلّق به.
(فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ قَالُوا:«الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِى هَدَينَا)أي وفّقنا(لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ)أي ولم نهتد البتّة(لَوْلآَ أَنْ هَدَينَا اللّهُ»۲) .
يدلّ على أنّ الخير الموجب للجنّة لا يكون إلّا مع توفيق اللّه .
(وَقَالَ أَهْلُ النَّارِ :«رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا) أي جذبتنا إلى الشرّ. والمقصود أنّهم فعلوا ما تدعو إليه الشقوة، فهو مجاز في النسبة.
(وَ كُنَّا قَوْمًا ضَآلِّينَ»۳) أي أشقياء.