505
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

والمراد بقولهم هنا الفرد الأوّل من التفويض، وهو أنّه لم يبق للّه تعالى طريق إلى صرف العبد عن الشرّ الواقع منه إلّا القسر والإلجاء؛ لوجوب كلّ لطف ناجع عليه بزعمهم، فينكرون خلق الشقاء، وكون شرّ مع الخذلان فضلاً عن كون كلّ شرّ معه، وكذا ينكرون التوفيق في بعض الخير، كما مرّ في أوّل الباب في شرح قوله: «ولم يطع مكرها».
(فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ) . حاصل الكلام الاستدلال على بطلان قول القدريّة بآيات ثلاث حكى اللّه تعالى فيها أقوال أهل الجنّة وأهل النار وإبليس على سبيل التقرير.
(لَمْ يَقُولُوا بِقَوْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) وهو أنّ كلّ خير مع التوفيق. وفي رواية البرقي في كتاب المحاسن في باب الإرادة والمشيئة هكذا: «لم يقولوا بقول اللّه : وما تشاؤون إلّا أن يشاء اللّه ، ولا قالوا بقول أهل الجنّة». ۱(وَلَا بِقَوْلِ أَهْلِ النَّارِ) وهو أنّ كلّ شرّ مع الخذلان، وأنّ اللّه تعالى خلق الشقاء.
(وَلَا بِقَوْلِ إِبْلِيسَ) وهو أنّ اللّه يخلق الشقاء. ومعنى الشقاء أن يكون أحد بحسب الجبلّة كثيرَ الميل إلى الشرّ بدون جبر له على الشرّ، ومع علم اللّه تعالى أنّ ذلك يفضيه إلى سوء الخاتمة نعوذ باللّه منه، وقد مرّ في «باب السعادة والشقاء» ما يتعلّق به.
(فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ قَالُوا:«الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِى هَدَينَا)أي وفّقنا(لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ)أي ولم نهتد البتّة(لَوْلآَ أَنْ هَدَينَا اللّهُ»۲) .
يدلّ على أنّ الخير الموجب للجنّة لا يكون إلّا مع توفيق اللّه .
(وَقَالَ أَهْلُ النَّارِ :«رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا) أي جذبتنا إلى الشرّ. والمقصود أنّهم فعلوا ما تدعو إليه الشقوة، فهو مجاز في النسبة.
(وَ كُنَّا قَوْمًا ضَآلِّينَ»۳) أي أشقياء.

1.المحاسن ، ج ۱ ، ص ۲۴۴ ، ح ۲۳۸ .

2.الأعراف (۷) : ۴۳ .

3.المؤمنون (۲۳) : ۱۰۶ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
504

(قُلْتُ: فَجَبَرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي؟) . الاستفهام مقدّر، والفاء للتفريع، وذِكْر المعاصي ـ مع أنّ الطاعات كالمعاصي فيما نحن فيه ـ مبنيّ على أنّ السائل اعتقد التفويض استدلالاً بأنّه لولاه لزم قبيح، وهو الجبر على المعاصي، لا الجبر على الطاعات؛ لأنّ قبحه غير ظاهر.
(فَقَالَ۱: اللّهُ أَعْدَلُ وَأَحْكَمُ) ؛ من الحكمة.
(مِنْ ذلِكَ) أي من أن يجبر على المعاصي. وهو إشارة على أنّ الجبر على المعاصي التي نهى اللّه تعالى عنها ظلم؛ أي وضع للشيء في غير موضعه وسفه بدون العقاب، فضلاً عن أن يكون معه عقاب.
(قَالَ: ثُمَّ قَالَ: قَالَ اللّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَا أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي؛ عَمِلْتَ) ؛ بصيغة الخطاب.
(الْمَعَاصِيَ بِقُوَّتِيَ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِيكَ) . هذا لإثبات الواسطة بين التفويض والجبر، ومضى تفسيره في آخر «باب المشيئة والإرادة».
الرابع: (عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَرَّارٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : يَا يُونُسُ، لَا تَقُلْ) .
يونس بن عبد الرحمن من فضلاء متكلِّمي أصحابنا وكأنّ الإمام عليه السلام استشعر منه أنّه يحترز عن أن يقول: ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لم يكن، ۲ لتوهّمه أنّ ذلك يستلزم الجبر، أو أنّ مشيئة المعاصي قبيحة، أو أنّ النهي عمّا يشاء قبيح، فمهّد عليه السلام أوّلاً نفي التفويض لينجرّ الكلام إلى إثبات ما يحترز عنه. ويحتمل أنّه عليه السلام استشعر منه الميل إلى التفويض أيضا.
(بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ) . هم مَن على رأي المعتزلة في مسألة القدر كما مرّ في أوّل الباب،

1.في الكافي المطبوع : «قال» .

2.شرح المقاصد في علم الكلام ، ج ۲ ، ص ۹۷ و ۱۴۵ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 70206
صفحه از 584
پرینت  ارسال به